تاريخ البسطاء

01:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

كيف عاش أسلافنا في حياتهم الواقعية؟ كيف كانوا يحبون؟ ماذا كانوا يأكلون ويرتدون..؟ وماذا عن مختلف تفاصيل حياتهم اليومية؟ أسئلة عديدة يطرحها علينا العقل كلما فكرنا في الماضي، وهو هنا ماضي البشر من البسطاء، وسنعثر على إجابات متناثرة عن هذه الأسئلة في كتب الأدب العربي، وليس التاريخ، فذلك العلم كما فهمناه ومارسه العديد من مؤرخينا لا يزال حتى الآن مهموماً برصد القضايا الكبرى، يغلب عليه السياسي والفكري ولا يلتفت إلى الحياتي إلا في ما ندر.

كشفت لنا معدلات الترجمة المتسارعة خلال السنوات القليلة الماضية، عن مصفوفة من المؤلفات العالمية التي يختلف فهمها للتاريخ، وتتناول جوانب الحياة المتعددة: تاريخ النساء، تاريخ الأوبئة، تاريخ الأزياء، بل أصبح للقيم والأحاسيس تاريخها الخاص بها: تاريخ الحب، تاريخ الكذب، وتخطى الأمر إلى أنواع الأطعمة وما نستخدمه على مدار الساعة: تاريخ البقوليات، تاريخ المرآة، وهي بالمناسبة كتابات لا تنتمي إلى الأدب، أو السرد الجمالي، وتتقاطع في داخلها المناهج التاريخية بالفلسفة بعلم الإناسة «الأنثربولوجي».

رؤيتنا للتاريخ لا تزال مؤدلجة ويغلب عليها التسييس وغالباً التسييس الفجّ، ولا نزال نتخبط في سؤال لا يبدو له إجابة: من أي منظور يمكن كتابة التاريخ؟ ولا يزال مفكرونا يخوضون جميع معاركهم انطلاقاً من الماضي، وحتى الراهن مختلف عليه، فأنت عندما تتصفح أدبيات تاريخنا الحديث لا تعرف من أي نقطة ستنطلق، هل كانت البداية من حملة نابليون التي استيقظنا على دوي مدافعها لنعرف تخلفنا عن العالم لعدة قرون ونبدأ في تلمس خطواتنا للانخراط في التحديث، وهو ما رفضه آخرون، حيث يرسخ ذلك المنطلق للتبعية الثقافية والفكرية للغرب، أم من الطرح البديل، حيث كانت هناك قبل نابليون بحوالي نصف قرن برجوازية جنينية تسير بقواها الذاتية نحو النهضة، ولكن هذا الطرح بدوره لا يخلو من تبعية حتى لو أدعى أصحابه عكس ذلك. فبالبرجوازية تشكيل طبقي غربي في النهاية، وهو جدل دار لسنوات ولم يقتصر على نقطة بداية العصر الحديث ولكن على مفاصل تاريخية أخرى عديدة.

وإذا عدت إلى القضايا الفكرية التي عالجها مفكرونا ومؤرخونا وتعلقت بالحاضر، ستجدهم يعودون إلى الماضي، بنزعة نخبوية. ففكرة العقلانية الغربية بحثوا عن جذورها لدى المعتزلة وابن رشد، ولكننا لم نقرأ عن أحدهم يكتب عن تعاطي البشر العاديين من أسلافنا مع العقل، ولماذا اختفت ممارسات لا عقلانية لا يمكن تصورها، قام بها البشر في الحياة اليومية الغربية خلال القرون الوسطى عن مجتمعاتنا العربية في الفترة نفسها، تلك المجتمعات التي لم يكن البسطاء فيها يقرأون للمعتزلة أو ابن رشد، إذن هناك أسباب أخرى تحتاج إلى البحث والحفر، والملاحظة نفسها تصدق على العديد من القيم مثل التسامح وثقافة حب الحياة والاحتفاء بها.

إن هدف أي مفكر أو مؤرخ أو مهموم بالثقافة بوجه عام هو العثور على إجابات تفسر النكوص، وتستشرف التقدم، وهي إجابات سنجدها عند البسطاء لا في الأبراج العالية المعزولة عن البشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2yp2txyd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"