الترامبية السياسية مجدداً!

00:54 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

إلى أين تأخذ الترامبية السياسية الولايات المتحدة؟ السؤال طرح نفسه بإلحاح ظاهر في الانتخابات النصفية الأمريكية.

بقدر الاستقطاب الحاد، الذي لاحق إرثه في صناديق الاقتراع، لم يعد السؤال مستغرباً ولا احتمال عودته إلى البيت الأبيض افتراضياً.

«اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى».. «سنستعيد أمريكا».. و«الأهم من ذلك سوف نستعيد عام 2024 بيتنا الأبيض الرائع!».

هكذا لخص «دونالد ترامب» نظرته إلى الحزب الجمهوري، بما يراه هو من آراء وما يتطلع إليه من أدوار، كأنه الحزب مجسداً والاختلاف معه في موقف أو آخر غير مسموح به، أو كأنه صدى تاريخ لعبارة الملك الفرنسي «لويس الرابع عشر»: «أنا الدولة والدولة أنا».

قد يعود «ترامب» أو لا يعود إلى السلطة العليا، هذه مسألة تحسمها التفاعلات الداخلية في الولايات المتحدة وداخل الحزب الجمهوري، الذي يحاول أن يفرض سطوته عليه قبل أن يتقدم باسمه مجدداً إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

بشهادة نتائج الانتخابات النصفية، فهو رقم صعب في الحزب الجمهوري لا يمكن تجاهله، أو إنكار تأثيره المنتظر على عمل مجلسي الكونغرس قبل العودة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد. رغم ذلك لا يمكن الجزم بأنه قد حسم فرصه في المستقبل.

الحزب الجمهوري ليس موحداً خلفه، أعداد كبيرة من الذين يدينون له بالولاء خسروا الانتخابات، مثل مرشحه المفضل «محمد أوز» في بنسلفانيا، فيما تمكنت شخصيات جمهورية أخرى من تأكيد حضورها الطاغي في صناديق الاقتراع مثل «رون دي سانتس»، الذي فاز بولاية ثانية حاكماً لولاية فلوريدا بعيداً عن وصاية «ترامب» ورفضاً لها.

«سوف أقود الجمهوريين لموجة حمراء»، هكذا تعهد قبل الانتخابات النصفية مباشرة. حاول أن يؤكد ما ذهبت إليه استطلاعات الرأي العام من اكتساح جمهوري لمجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، وأن ينسب الفضل لنفسه مقدماً حتى لو لم يعترف أحد بذلك، على ما قال حرفياً !

لم يحدث مثل هذا الاكتساح رغم الضيق العام من الأداء الاقتصادي للرئيس الحالي «جو بايدن»، الذي تدنت شعبيته إلى أسوأ درجاتها في الأيام التي سبقت الانتخابات.

راهن «ترامب» على موجة حمراء، نسبة إلى لون الحزب الجمهوري، تدفع به خطوة كبيرة إلى الأمام يعلن عندها ترشحه مبكراً للموقع الرئاسي يوم (15) نوفمبر الحالي عند ذروة النصر الذي توقعه كاسحاً. ربما يتأنى لبعض الوقت، أو قد يندفع إلى الأمام كعادته دون تحسب.

لم تكن هناك هزيمة مروعة للحزب الديمقراطي في صناديق الاقتراع. النتائج أثارت شكوكاً عميقة في قدرة الرئيسين الحالي والسابق على كسب الانتخابات الرئاسية وبدأ الحديث عن بدائل محتملة على الجانبين.

ليس هناك إجماع على «ترامب» في الحزب الجمهوري، وقد تتنامى حسابات ضده ترى أنه بات عبئاً عليه. بقدر مماثل قد تتنامى حسابات في الحزب الديمقراطي ترى أن «بايدن» هو الآخر عبء يصعب التعويل على تجديد ولايته.

رغم تراجع شعبية «بايدن» أقبل أنصار الحزب الديمقراطي بمعدلات غير معتادة على التصويت، لم يكن ذلك دعماً له ولا اعتقاداً في كفاءة إدارته للأزمة الاقتصادية بقدر خشية صعود «ترامب» مجدداً.

بصورة أو أخرى تحركت قطاعات واسعة من الشبان والمتعلمين والأقليات السوداء واللاتينية لدرء أشباح عودة «الترامبية السياسية»، وفي أذهانهم اقتحام مبنى الكونجرس «الكابيتول» لمنع استكمال إجراءات نقل السلطة إلى «بايدن».

لم يكن صعود «بايدن» إلى البيت الأبيض تعبيراً عن ثقة كبيرة في كفاءته، فهو مرشح باهت يفتقد إلى أي حضور أو كاريزما. كانت ميزته الكبرى أنه بديل ل«ترامب».

المشكلة الحقيقية في أمريكا أن ديمقراطيتها تهددت بعمق وشرخت الصورة التي ترسخت عنها لعقود طويلة.

هناك من شكك في نزاهة الانتخابات، ومن لم يعترف بها، دون أن تتخذ أية إجراءات تحمي الديمقراطية والتنوع وحقوق الأقليات وتمنع التمييز العنصري.

في الانتخابات النصفية تكررت حجج مشابهة بصورة أقل لما زعمه «ترامب» بعد خسارته للانتخابات الرئاسية، كأن التشكيك في آليات الديمقراطية إذا لم توافق الأهواء والنتائج من مقومات «الترامبية السياسية».

لم تغلق أمريكا صفحة «ترامب»، لا جرت تحقيقات موثوقة في الادعاءات التي ترددت بغير تصفية حسابات ولا نوقشت باستفاضة الأسباب الحقيقية التي أسقطته.

في حوار مطول قبل أسابيع على نيل القاهرة مع «آرثر جريغ سالزبرغر» ناشر ال«نيويورك تايمز» أكثر الصحف الأمريكية نفوذاً وتأثيراً، قلت: «أخشى أن تكونوا في نيويورك تايمز وواشنطن بوست والسي. إن. إن. تتصورون أنكم الذين أسقطتم ترامب، فقد أسقطته إدارته بالغة السوء لجائحة كورونا والدور الذي لعبه في إشاعة التمييز العنصري وإثارة المخاوف العامة على الديمقراطية الأمريكية».

في التفاتة موحية قال: «لا تستبعد أن يعود ترامب مرة أخرى. كانت تلك نبوءة مبكرة من رأس الصحيفة الأمريكية الأكثر صداماً مع «ترامب» وما يمثله.

حسب استطلاع رأي شاركت فيه مؤخراً ال«نيويورك تايمز» نفسها، إذا ما أجريت الانتخابات الرئاسية الآن بين الرجلين فإن«ترامب» سوف يحصدها بفارق نقطة واحدة (45%) مقابل (44%) بدواعي الإحباط من إدارة «بايدن» وعجزه عن إدارة الملفين الاقتصادي والاجتماعي تحت ضغط التضخم فضلاً عن تورطه في الحرب الأوكرانية، التي استنزفت أمريكا والغرب كله معها دون أفق سياسي منظور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/26su5wu9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"