عادي

إدارة «السكري»..عبور آمن على المدى الطويل

23:35 مساء
قراءة 7 دقائق
SEHA-Diabetes-02-scaled
1

تحقيق: راندا جرجس
ينتشر مرض السكري بين الأشخاص حول العالم، ويتمثل الاختلاف الرئيسي في أن نمط النوع الأول منه هو حالة وراثية تظهر في الأغلب في عمر مبكر، أما السكري من النوع الثاني، فيرتبط بشكل أساسي بنمط الحياة ويتطور بمرور الوقت، ولم يكتشف حتى الآن أي علاج نهائي للنوعين؛ لذلك يحتاج كلاهما إلى الرقابة المنتظمة والفحص الدوري والالتزام بالأدوية، للوقاية من المضاعفات، وفي هذا التحقيق يسلط مجموعة من الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا المرض، وطرق الحماية وأحدث العلاجات، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمرض السكري الذي يصادف 14 نوفمبر/ تشرين الثاني.

تقول د. ملاذ يبرودي أخصائية الأمراض الباطنية: يهاجم جهاز المناعة خلايا «بيتا» المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس الذي يضبط مستويات السكر في الدم، ويدمرها، ويؤدي هذا الخلل إلى الإصابة بداء السكري من النمط الأول، ولا يعرف العلماء حتى الآن السبب الدقيق لهذا المرض، لكن تشير النظريات إلى بعض المسببات التي يمكن أن تزيد من فرص حدوثه، كالمناعة الذاتية، الجينات الوراثية، والعوامل البيئية، واحتمالية تورط بعض أنواع الفيروسات، زيادة الوزن، متلازمة تكيس المبايض، وعلى الأغلب يظهر المرض بعد ال45.

وتوضح د.يبرودي أن علامات داء السكري تشمل عدة أمور هي: زيادة الإحساس بالعطش وجفاف الفم، الرغبة في التبول، الإرهاق، تشوش الرؤية، فقدان الوزن غير المبرر، الشعور المتزايد بالجوع، بطء شفاء القروح والالتهابات المتكررة، احمرار وتورم اللثة، تشوش الرؤية، وخز أو خدر في الأطراف، وفي معظم الحالات يبدأ النوع الأول بالتطور لدى الأطفال والشباب، ولكنه قد يظهر في أي اي مرحلة عمرية، ويتلقى مادة الانسولين يومياً طوال حياته، وفي حال عدم تشخيصه ومعالجته مبكراً، فربما يدخل المريض في حالة من الغيبوبة، من الممكن أن تؤدي إلى وفاته، وتعرف هذه الظاهرة باسم الحماض الكيتوني السكري.

وتذكر د.يبرودي أن السكري من النوع الثاني أكثر انتشاراً بين المرضى بنسبة تراوح من 90 إلى 95%، ويرتبط عادة بالتقدم بالسن، السمنة المفرطة، الوراثة وتاريخ العائلة الطبي، الخمول البدني، والانتماء العرقي، وتحدث هذه الحالة نتيجة عدم قدرة إنتاج البنكرياس للكمية الكافية من الأنسولين، ويتراكم الجلوكوز في الدم، ولأسباب غير معروفة لا يكون الجسم قادراً على استخدام الأنسولين بشكل فعّال والاستفادة منه، وتعرف باسم «مقاومة الأنسولين».

وتلفت د.يبرودي إلى إصابة بعض النساء بالسكري المؤقت خلال فترة الحمل، ويستهدف هذا النمط على الأكثر من يمتلكن تاريخاً عائلياً بالمرض، ويراوح خطر تعرض بعضهن للسكري من النمط الثاني خلال 5 إلى 10 سنوات، بنسبة تراوح من 20 إلى 50%، ويتم التشخيص في وقت مبكر من الحمل، أما اللواتي يعانين الإصابة بدرجة متوسطة، فيجب عليهن إجراء اختبار السكر الحملي خلال الثلث الثاني من الحمل، وضرورة المتابعة والعلاج خلال فترة الحمل، للوقاية من اختلاطات ارتفاع سكر الدم على الحامل والجنين.

تؤكد د.يبرودي ضرورة إجراء الاختبارات الدورية؛ حيث إن اكتشاف الإصابة في وقت مبكر يفيد في الاستفادة من الخيارات العلاجية وفاعليتها في إدارة المرض، وعدم تطور المضاعفات، وتشمل وسائل التشخيص الآتي:

* اختبار الهيموجلوبين الذي يوضح متوسط مستوى السكر في الدم في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ولا يتطلب الصيام، فكلما ارتفعت مستويات السكر في الدم، زادت نسبة الهيموجلوبين السكري، ويكون المعدل للشخص الطبيعي 5.7%.

* اختبار سكر الدم العشوائي عن طريق أخذ عينة دم من المريض، ويُعد وصول مستوى السكر في الدم لمعدل 200 (ملغم/دل) أول دلالة على احتمالية الإصابة.

* اختبار سكر الدم بعد 8 ساعات من الامتناع عن تناول الطعام والشراب، ويراوح مستوى سكر الدم للصائم من 100 إلى 125 ملغم/دل، ويدل على الإصابة بمقدمات السكري.

* اختبار تحمل الغلوكوز الفموي، ويتم إجراء هذا الاختبار بعد الصيام طوال الليل، وقياس مستوى سكر الدم الصائم، وتناول مشروب محلي بالسكر، ثم إجراء الفحص بانتظام كل ساعتين، ويتم تحديد درجة الإصابة بحسب مؤشرات الاختبارات.

* يتم الكشف عن النوع الأول من داء السكري، بإجراء تحليل البول، للبحث عن وجود الكيتونات، ويمكن عمل اختبار آخر للتحقق من وجود الأجسام المضادة الذاتية.

اعتلال الشبكية

يرى د. أشرف حجازي، أخصائي أمراض وجراحة العيون، أن اعتلال الشبكية السكري يستهدف 80%، من المصابين بداء السكري بعد 10 سنوات من بداية المرض، ولا ترافق هذه الحالة أية أعراض ظاهرة، أو يعاني بعض المرضى تدني القدرة البصرية بشكل متفاوت تبعاً لدرجة الاعتلال، ويتم التشخيص من خلال الفحص العيني لقاع العين والشبكية، باستخدام قطرات التوسيع، وعدسات خاصة مع جهاز المصباح الشقي ومنظار قاع العين الغير المباشر، أو بواسطة التصوير الفوتوغرافي والتصوير الطبقي التوافقي لقاع العين باستخدام كاميرات خاصة.

ويضيف: تتنوع أعراض اعتلال الشبكية السكري بين المنمي وغير المنمي، وارتشاحات في اللطخة، مركز الشبكية، ونزف دموي في الجسم الزجاجي، وظهور أغشية شاده على سطح الشبكية، وانفصالها، وتحدث هذه العلامات بعد أن تفقد جدران أوعية الشبكية خصائصها الطبيعية، ما يؤدي إلى ظهور نزوفات دموية، وتعد الطريقة الآمنة للوقاية هي ضبط مستويات السكر في الدم، والمتابعة المنتظمة مع الطبيب المختص لإجراء الفحوص الدورية.

تضرر الأعصاب

يشير د. طارق الدباس أخصائي أمراض الدماغ والأعصاب إلى أن اعتلال وتضرر الأعصاب السكري من المضاعفات التي ترافق المرض، وترافقها مجموعة من الأعراض كالتنميل والخدران والسخونة والشعور بالوخز، وتستهدف على الأكثر الأطراف السفلية، ويشعر بعض المرضى بأنهم يسيرون على حجارة صغيرة أو أن أقدامهم لا تلامس الأرض، ويتم تشخيص الحالة عن طريق الفحص السريري، وتخطيط الأعصاب؛ حيث تشير النتائج إلى وجود ضعف في جسم العصب وليس المادة المغلفة (الميلانين)، ويتم العلاج بوصف الأدوية الخاصة لتخفيف الآلام العصبية، ويمكن استخدام الكريمات أو لاصقات توضع على الجلد، لتخفيف علامات المرض، ويُعد الأساس هو الالتزام بإدارة داء السكري وتجنب المضاعفات.

القدم السكري

تشير التقديرات إلى أن 1: 5 أشخاص مصابون بداء السكري في الإمارات، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2040، ويشكل خطر الإصابة بقرحة القدم لمريض السكري بنسبة تتراوح من 15 إلى 25% على مدى الحياة، بحسب ما يقول د. محمد صالح استشاري الغدد الصماء، وتزداد المضاعفات مع مرور الوقت، حيث يتلف ارتفاع نسبة السكر في الدم الأعصاب والأوعية الدموية ويؤدي إلى تنميل أو وخز أو ألم أو فقدان الإحساس في القدمين، ويطلق على هذه الحالة «اعتلال الأعصاب السكري».

ويذكر د.صالح أن تقرحات القدم التي لا تتحسن مع العلاج يمكن أن تؤدي إلى بتر جزء من الساق أو أصبع القدم، أو تتسبب في تغييرات أو تشوهات ويطلق عليها «قدم شاركوت» وعلى الرغم من ندرتها إلا أنها تعتبر من الحالات الحادة التي يتوجب علاجها من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية.

ويؤكد على ضرورة فحص القدم بشكل يومي وغسلها جيداً، وحمايتها في الطقس الحار أو البارد، وتقليم الأظافر، وارتداء الأحذية والجوارب الطبية طوال الوقت، ومراجعة الطبيب المختص عند ظهور تقرحات أو كدمات، أو آلام واحمرار في جلد القدم.

خيارات التداوي

تشير د. سارلا كوماري أخصائية أمراض السكري إلى أن الأبحاث ترنو إلى إيجاد علاجات لخلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين التي يهاجمها الجهاز المناعي، وتتسبب في الإصابة بالنمط الأول من داء السكري، ويُعتمد هؤلاء المرضى على حقن الأنسولين من 3 إلى 4 مرات يومياً لتعويض النقص، ويُعد زرع البنكرياس أحد الخيارات المتقدمة التي تُحسن النتائج الصحية، إلا أنها تحتاج إلى متبرع؛ لذلك فهي محدودة الاستخدام على نطاق واسع.

وتضيف: أظهر قسم علم الأحياء بجامعة هارفارد نتائج واعدة للعلاج بالخلايا الجذعية لمرضى داء السكري من النمط الأول، وقد تمكن الباحثون من اكتشاف إعادة تنشيط الخلايا الجذعية بشكل فعّال لتصبح معبرة للأنسولين وتشبه وظيفياً الخلايا الشبيهة ب (بيتا)، التي يدمرها الجهاز المناعي.

وتقول: يعاني نحو 90% من مرضى داء السكري النمط الثاني، وترتبط الإصابة بشكل وثيق السمنة المفرطة، وتعتمد أهم خطوات إدارة المرض والتعايش معه على تعديل نمط الحياة، والتخلص من الكيلوغرامات الزائدة، وممارسة الرياضة بانتظام، والفحص المنتظم لمن لديهم تاريخ عائلي بالمرض، وتناول الأطعمة النباتية الصحية، وتوفر النباتات والفيتامينات والمعادن والكربوهيدرات في النظام الغذائي اليومي.

إصابة الصغار

يقول د. أجيث كومار استشاري الغدد الصماء إن داء السكري من النوع الأول هو الأكثر شيوعاً بين الصغار، وينتج عن عجز البنكرياس التام عن إنتاج الأنسولين، ما يؤدي إلى عدم قدرة أنسجة الجسم على امتصاص الجلوكوز من دون الأنسولين، وعلى الرغم من انتشار النمط الثاني بين كبار السن فإنه مؤخراً أصبح يستهدف الأطفال بداية من عمر 10 سنوات وخصوصاً المصابين بالسمنة، ويتم الكشف عنه في معظم الحالات خلال الفحص الدوري،

ويؤكد د. كومار أن %40 من الأطفال الذين تم تشخيصهم بداء السكري لم تظهر لديهم أي أعراض؛ لذلك من الأفضل إجراء الاختبارات الدورية لمن لديهم فرص للإصابة، للحد من العواقب والمضاعفات.

التنسيق مع الطبيب

يساعد الأكل الصحي، ممارسة النشاط البدني بانتظام، والالتزام بتناول الأدوية، يساعد المرضى في المحافظة على مستويات السكر في الدم تحت السيطرة، والحد من تطور مضاعفات داء السكري، ويؤكد د. رامي ديبي، طبيب عام، أن المعيار الأمثل لإدارة هذا المرض هو التنسيق مع الطبيب المختص حول النظام الغذائي، ووضع جدول من الخيارات المناسبة بحسب العمر والحالة.

ويسهم الطعام الصحي للأطفال المصابين في تجنب النقص الغذائي وزيادة الوزن أو السمنة، ويدعم النمو والتطور والمناعة على النحو الأمثل، حتى لا يتعرضوا للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية طويلة المدى، وبعض المضاعفات الأخرى.

ويضيف: يجب أن يتناول الأطفال والشباب الذين يتلقون عدة حقن يومية ثلاث وجبات منتظمة، تحتوي على نصف من طبق الخضار والبروتين والنشويات، مع إعطاء الأنسولين قبل 10-15 دقيقة، ويمكن تقديم وجبة خفيفة في منتصف النهار، وأخرى في الظهيرة تحتوي على أقل من 5 غرام من الكربوهيدرات، ومثلها قبل النوم، وتناول الكثير من الماء بدلاً من العصير أو عصائر الفاكهة أو المشروبات الغازية أو الطاقة.

ويشير د.ديبي إلى أن البالغين المصابين بداء السكري من النمط الأول والثاني لديهم خطر متزايد بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وعليهم الاهتمام بجوانب النظام الغذائي السليم، عن طريق تقليل الملح وألا تزيد الحصة عن 6 غم يومياً، تناول حصتين من الأسماك الزيتية في الأسبوع، ومجموعة متنوعة من الفاكهة والخضراوات، والمزيد من الحبوب الكاملة والبقوليات، والحد من اللحوم الحمراء والأنواع المعالجة والكربوهيدرات المكررة والمشروبات المحلاة بالسكر.

ويشير د.ديبي إلى أن كبار السن يمثلون الشريحة الأكبر من مرضى داء السكري، ويواجهون العديد من التحديات والعوائق التي تحول دون الحصول على التغذية السليمة، والنجاح في إدارة مرض السكري، وخاصة أن متطلبات الطاقة الإجمالية تنخفض مع تقدم العمر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vfe6rup

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"