الثقافة والتنمية والاستقرار

01:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

انتهى معرض الشارقة الدولي للكتاب ولم ينته، هذه ليست أحجية، التنمية الإنسانية خطوطها واضحة كما أهدافها ولا تقبل الأحجيات، فهي هدف استراتيجي في الرؤية الشاملة لتنمية الإنسان. وبما أن الثقافة بمعناها الواسع، هدفها ومضمونها وأداتها الإنسان، فإن معرض الكتاب كمحتوى حضاري وتنموي وثقافي لم ينته، فقد انتقلت عناصره إلى البيوت والمؤسسات والمكتبات وكل مكان وجد فيه الإنسان، تمهيداً لانتقالها إلى العقول والأفكار، كي تتحول في ما بعد إلى مبادرات ومشاريع وخطط وإبداعات وتأملات وعصف أفكار، لتصب في روح المجتمع ونسيج المكان، وتصبح رافعة للشعور بالانتماء وتعزيزه، لأن اكتساب الثقافة والسعي لتحصيل المعرفة عملية وطنية صافية، تعمل على تحصين الوطن، وتحقيق الأمن والاستقرار، بصفة الثقافة الحقيقية تقيم حواراً حضارياً سلمياً خلاّقاً بين أطياف المجتمع، وتساهم في بلورة الأفكار الاستراتيجية المخاطبة للمستقبل، وتضمن استمرارية الوحدة الوطنية وبالتالي تعزّز ركائز الاتحاد.

وبما أن المعرض إماراتي بامتياز، فإن الحديث يصب في اتحاد دولة الإمارات العربية، ويتغلغل في النسيج العاطفي والمنطقي للولاء والانتماء، وهذه الرؤية مستمدة من الرؤية الشاملة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الشارقة عاصمة الإمارات الثقافية، والعاصمة الثقافية للوطن العربي.

إن مجتمعاً مثقفاً يدرك أكثر معنى حقوق الإنسان، حق الطفل والمرأة والمسن وصاحب الهمة، وحق الحصول على المعلومة وتكوين مجتمع المعرفة وتبادل الأفكار، وحقوق الآخرين التي تتجلى في الاعتراف بثقافاتهم واحترام عقائدهم وتراثهم وأجناسهم وألوانهم. المجتمع المثقف هو القادر على التعاطي مع الآخر بصفته إنساناً، شرط أن يكون الاحترام متبادلاً ومثمراً. وبهذا تكون استدامة الثقافة عملية إنسانية رفيعة الشأن، محمولة على قيم حضارية تسعى إلى بناء قواسم مشتركة تجعل الحوار بناءً يؤدي إلى مخرجات عالية الجودة.

معرض الكتاب من حيث لا يدري الناس، حوار سياسي مباشر وغير مباشر، هو ليس للدواوين الشعرية والروايات والدراسات والكتب الأدبية والفنية فحسب، إنما يتضمن كتباً في العلوم الإنسانية والتطبيقية وعلوم الفضاء، وفي التفكير الاستراتيجي والتاريخ ونهوض الدول وأفولها، ونهضة المجتمعات ونكوصها، إلى جانب كتب في المعتقدات والأديان والمذاهب.

ومن الصعوبة أن يحيط إنسان واحد بكل تلك المعارف، فنحن في عصر التخصص وليس العصر الموسوعي. وانطلاقاً من التوصيف السابق، فإن المعرض وقت انعقاده وبعد انتهائه، يشكل حواراً متواصلاً بين الاختصاصيين في كل المجالات، إضافة إلى أنه حوار متواصل بين الأديان، وكلما كان الحوار مبنياً على المعلومة والمعرفة كان مثمراً ويصب في التنمية البشرية والإنسانية.

المجتمعات الجاهلة هي مجتمعات متشدّدة لا تقبل المشاركة ولا الحوار، هي مجتمعات تشهد دائماً حروباً سياسية ثأرية، وحروباً أهلية تجعل المجتمع في حالة تشنّج وتخبط وعداء في سنوات الحرب وسنوات أخرى تالية، مجتمعات توقفت فيها التنمية الثقافية والعمرانية والإنسانية، وبالتالي هي بعيدة عن العدل والاعتراف بالحقوق، وبعيدة عن الاعتراف الموضوعي بإمكانيات الأفراد، لأنها محكومة بجماعات متعصّبة لا تعطي بالاً للمواهب الفردية، إنما للأهداف الحزبية أو الطائفية أو المذهبية، وهي مجتمعات تنخفض فيها نسبة الانتماء والولاء والحس الوطني والحرص على الممتلكات العامة، وبالتالي هي عرضة للفساد، وأينما حلّ الفساد حلّ التخلف وانعدم الأمن وابتعد المجتمع عن الاستقرار.

العمل الثقافي هو عمل سياسي بصفته يؤلف بين العقول والقلوب والتوجهات والأفكار، ومعرض الكتاب بكتبه وندواته وأمسياته وأصبوحاته، وسيلة مهمة للنهوض لاستدامة التنمية، ونحن لا نتصوّر مجتمعاً يحقّق التنمية بعيداً عن الثقافة والمعرفة، لهذا، فإن مبتغى المجتمعات الحديثة هو الوصول إلى مجتمع المعرفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8a4knn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"