عثمان حسن
يهتم معرض الشارقة الدولي للكتاب بظاهرة تواقيع الكتب، وقد جعل هذه الفعالية ركناً أساسياً ضمن فعالياته الثقافية، ولعل ذلك يعود لإيمان القائمين على المعرض بأن ذلك يمثل خلاصة تجسد جهد صاحب الكتاب، جهد مخصوم من وقته وعصارة أفكاره في التأليف والإبداع.
لقد كانت هذه الفعالية على نحو خاص من أكثر فعاليات المعرض نشاطاً وحيوية، وقد شهدت على مدى أيام المعرض حضوراً مكثفاً من القراء والمثقفين ممن حرصوا على متابعة جهد المؤلف والاطلاع على آخر نتاجاته، وهي بكل تأكيد تظاهرة تشي بالفرح، فرح استثنائي لمؤلف الكتاب، كما أنها تنبئ عن فعل ثقافي ومعرفي يجسد آمال وطموحات معرض الشارقة للكتاب في نشر فضاءات المعرفة والإبداع إلى أكبر عدد ممكن من القراء.
وفي كل دورة جديدة من المعرض، يفاجأ القارىء بكتاب ومؤلفين جدد لم يسمع عنهم من قبل، والمفاجأة الأكبر حين تقرأ نتاجاتهم، فتكتشف مدى ما فيها من قوة إبداعية ورؤى ثقافية لم تكن تتوقعها من كاتب جديد، وهذا يذكرنا بما سبق وقاله خورخي لويس بورخيس: «لا تقرأوا أي كتاب لأنه مشهور أو حديث أو قديم، يجب أن تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، اقرأوا من أجل متعتكم ولأجل أن تسعدوا».
ولعل بورخيس وهو من أبرز كتاب القرن العشرين، هو أشهر من كتب عن مفاعيل وتحولات القراءة من الناحية الإبداعية والإنسانية، وهو الذي اعتبر الكتاب الأكثر دهشة بين كل الأدوات التي اخترعها الإنسان طوال تاريخه، ذلك أن الكتاب بالنسبة إليه هو امتداد لشيء آخر، امتداد للذاكرة والمخيلة.
هو المعرض إذاً، في أقصى تجلياته، من يعلم التواضع، من يعرفك على شخصيات فريدة دون أن تراها، ومن يمنحك ذاكرة بألف جناح وجناح، من يمنح روحا وقوة جديدة، ومن يمنح متعة خاصة في ساعات السأم حيث لا صديق سوى الكتاب، ولا رفيق سوى تلك الصفحات التي تتناسل كالندى فتوقظ المخيلة بأنفاس وأرواح جديدة.
قديما قال الجاحظ في الكتاب:
أوفى صديق إن خلوت كتابي
ألهو به إن خانني أصحابي
لا مفشيا سرا إذا أودعته
وأفوز منه بحكمة وصواب