الإمارات والأزمة الليبية

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
منذ تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ديسمبر/ كانون الأول 2021؛ بسبب الوضع الأمني المضطرب والانقسام السياسي المزمن وإحساس الليبيين بالخوف على أنفسهم، ولجت ليبيا مرة أخرى في أزمة، أو بالأحرى متاهة، سياسية، وعاد الفرقاء السياسيون والمسلحون إلى المربع الأول، واستأنفت البلاد مرحلة جديدة من الصراع السياسي بين حكومتين متنافستين، إحداهما في الشرق برئاسة فتحي باشاغا، وثانيتهما في الغرب بقيادة عبد الحميد الدبيبة. وبرغم المحاولات المبذولة لتحقيق توافق بين القوى والمؤسسات السياسية الليبية، ولاسيما مجلسي النواب والدولة، فإنه يُخشى أن يهوي الانقسام والصراع السياسي في ليبيا، الذي فصّلنا أبعاده في مقالة طويلة على صفحات الخليج الغرّاء بتاريخ 29 أغسطس/ آب الماضي، بالجميع إلى حرب أهلية جديدة كتلك التي اندلعت في الفترة (2014-2020)، من دون أن تُسفر عن أية نتيجة لمصلحة هذا الطرف، أو ذاك.
  وتُعد دولة الإمارات من الفاعلين الإقليميين المؤثرين في ليبيا، وكانت الأزمة السياسية الليبية الممتدة في مقدمة التحديات الخارجية على أجندة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عندما تولى مسؤولية الحكم في 14 مايو/ أيار الماضي. وفي ظل قيادته، اختطت دولة الإمارات لنفسها سياسة متزنة تجاه الأزمة الليبية مستندة إلى مبادئ الخمسين، وتصوّر سموه للتحديات الخارجية ودور بلاده فيها، وتستند إلى المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الإماراتية والتي تطرق إليها المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الدكتور أنور قرقاش في كلمته الرئيسية خلال افتتاح ملتقى أبوظبي الاستراتيجي التاسع، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وأهمها التوازن الدقيق تجاه الفاعلين الدوليين والقضايا الإقليمية والدولية، وتصفير المشكلات الخارجية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والعمل على إيجاد نوع من التوافق الدولي والإقليمي، بما يسهم في مواجهة التحديات وتسوية الصراعات الدولية، وأن تكون السياسة الخارجية في خدمة الاقتصاد، أي لتحقيق الأهداف الاقتصادية.
  ومن خلال متابعتنا للسياسة الإماراتية تجاه ليبيا، نجد أنها تقوم على عدة ركائز أساسية، تُترجم مبادئ التحرك الخارجي التي وضعها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. فأولاً، تحرص دولة الإمارات على التأكيد في كل مناسبة  على موقفها الثابت لمصلحة الحفاظ على وحدة ليبيا وتكاملها الإقليمي. ثانياً، تشدد الإمارات على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية تحت قيادة الجيش الوطني الليبي، ونزع سلاح الميليشيات وإدماج المنتسبين إليها، فرادى، في المؤسسة العسكرية. ثالثاً- تتبنى الإمارات رؤية حازمة في ما يتصل بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب من البلاد. رابعاً- تؤيد الإمارات تأسيس قاعدة دستورية توافقية بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد، تُشكل أساساً لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية طال انتظارها. خامساً- لا تتردد الحكومة الإماراتية في إدانة كل أنواع العنف السياسي في ليبيا، والمتورطين فيه. 
  علاوة على ذلك، تساند دولة الإمارات جهود الأمم المتحدة في دعم ليبيا. ومن هنا، دعمت، لكونها عضواً في مجلس الأمن، تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، هو الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي، وتدعم مهمته لتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق. وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، صوتت الإمارات في مجلس الأمن لمصلحة قرار تمديد مهام البعثة الأممية في ليبيا لمدة عام جديد.
 وبما أن السياسة الخارجية الإماراتية ليست أيديولوجية، أو جامدة، وإنما تتسم بالمرونة، وتسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والشراكات التجارية، وبرغم وقوفها على مسافة واحدة من كافة القوى والمؤسسات السياسية المتنافسة في ليبيا، لا تألو دولة الإمارات جهداً في الالتقاء بالمسؤولين الليبيين وإدارة حوار معهم حول سبل الخروج من الأزمة السياسية الممتدة. حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، على هامش مؤتمر «كوب 27 » في مصر.
  وتؤمن دولة الإمارات بأنّ تسوية الأزمة الليبية تعتمد بالأساس على توافق القوى الكبرى ذات المصلحة، ولاسيما الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا. فإذا لم يتحقق ذلك، وعطفاً على ما ذهب إليه الدكتور نبيل فهمي وزير الخارجية المصري الأسبق في مشاركته خلال ملتقى أبوظبي الاستراتيجي التاسع، بضرورة أخذ الدول العربية والشرق الوسطية زمام المبادرة والتفاعل المباشر مع قضاياه الإقليمية وعدم الاعتماد على الغير لحل مشاكله، فنرى أن تباشر الدول الإقليمية الفاعلة (الإمارات ومصر وتركيا)، والتي قد تكون متوافقة في أدوارها، بالتحضير لمبادرة لتسوية الأزمة، بالتنسيق مع الملتقى الليبي الجامع للهيئة الوطنية لمشايخ وأعيان ليبيا والمزمع عقده قريباً في طرابلس، ما قد يُخرج البلاد من النفق المظلم.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34f5ztd8

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"