عادي
قناديل إماراتية

عبدالعزيز المسلم.. خلية نحل في رجل

00:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
عبدالعزيز المسلم
  • أعماله تحفر عميقاً في ثقافات الشعوب

يوسف أبو لوز
في سيرة الشاعر والباحث عبدالعزيز المسلم شيء من سيرة المكان الشارقي في ستينات القرن العشرين، وهو يروي للشاعر والباحث الراحل عياش يحياوي قصة طوفان مائي بسبب الأمطار أدى لسقوط بيت مجاور لبيت والده، كما يروي قصة طوفان آخر حدث في منطقة المريجة في الشارقة في العام 1982، لكن في الطوفان الأول انهار بيت جيرانهم «بيت البردان» ما أدى إلى انهيار سور كان من نتائجه وفاة جدّه وجدّته في اليوم نفسه.

ينحدر عبد العزيز المسلم (الشارقة - أم الطرافة 1966) من بيئة عائلية متدينة:.. «.. كان جدّي يحمل عصاه ويدق على جميع الأبواب التي في طريقه، وهو متجه فجراً إلى المسجد لرفع الأذان».

سيرة الشاعر أو سيرة الكاتب حين تمتزج بسيرة المكان وبخاصة مسقط الرأس تصبح صورة الطفولة أكثر وضوحاً، بل لا يغيب المكان أبداً عن شاشة الذاكرة، كما لا يغيب التاريخ، التاريخ الثقافي للناس وللأمكنة، وربما لهذا السبب وُلِدَت في ذات عبد العزيز المسلم نزعته الثقافية إلى البحث في الشعر الشعبي النبطي وفي سير رموزه، بل والبحث أيضاً في حكايات وقصص و(خراريف) المكان الإماراتي، وبشكل خاص المكان الشارقي.

إبداع

قبل الباحث في شخصية المسلم فإن شخصيته الأدبية تقوم على الشعر، فهو شاعر شعبي، وما من شاعر حقيقي إلا وتذوب فوارق الشعر الشعبي والشعر الفصيح في تركيبته الشعرية، وكما يقال مراراً كل قصيدة شعبية أو نبطية تحمل الكثير من الفصيح، وكل فصيح فيه شعبي ونبطي. إدغام أدبي أو إبداعي ينشأ بالفطرة بخاصة عند شعراء الصحراء.

مثلما تندغم سيرة المسلم بسيرة مكان ميلاده وطفولته وفتوّته وشبابه، كذلك هو حامل صادق وأمين للذاكرة الشعبية المتمثلة في الشعر الشعبي، فغذّى المكتبة التراثية الإماراتية بتاريخ وسير العديد من الشعراء الشعبيين الإماراتيين، ولعلّ برنامجه الثقافي في تلفزيون الشارقة هو إحدى المنصّات الإعلامية الأهم في إلقاء الضوء على نبض الشعر الشعبي في الإمارات، وهو أيضاً إلى جانب مجموعاته الشعرية: «سفر الليالي»، «بقايا الليل»، «لحظة»، «وهل تعلم» وغيرها من نفائس أدبية.. أقول هو أيضاً يمسك بالثقافة الشعبية الإماراتية من كل أطرافها أو بكل عناصرها.. إذا أردت قراءة تاريخ رواة الحكايات الشعبية والشعر الشعبي تجد ما تريد في مكتبة عبدالعزيز المسلم. لقد عرّفنا جيداً برمز تاريخي من رموز رواة الموروث الشعبي في الإمارات هو (راشد الشوق) على سبيل المثال لا الحصر.

إذا أردت الاقتراب الرّوحي والجمالي والأنثروبولوجي من فضاء الأزياء والزينة في الإمارات - تجد أيضاً أن قلم عبدالعزيز المسلم صادق وأمين في هذا المجال البحثي الاجتماعي، والدلالي، والثقافي.

اللهجة الشعبية الإماراتية لم تغب عن بحثية و(حفرية) عبدالعزيز المسلم، وهو لم يقرّب اللهجة المحلية للقارئ أو للباحث اللغوي أو المعجمي من زاوية أكاديمية صرفة أو جامدة، بل، استدرجنا إلى تذوق صوت اللهجة الإماراتية إن أمكن القول، وأخذنا إلى معاني الكلمات ودلالة هذه المعاني وصلتها بالمكان والإنسان، وبكلمة ثانية، أظن أنه ما من شاعر إماراتي شعبي أو فصيح إلاّ وبه حاجة إلى كتاب من مثل (مدخل إلى اللهجة الإماراتية) أو (مرامس: من الذاكرة الشعبية).. هذه عناوين عبد العزيز المسلم في الإيقاع الصوتي اللهجوي المحلي بكل ما فيه من غِنى (لغوي) جمالي، وبكل ما فيه من بلاغة شعرية.

الخرافة والحكايات

لم تتوقف مدوّنة عبد العزيز المسلم الذي واصل تحصيله العلمي والأكاديمي إلى درجة الدكتوراه وهو رئيس معهد الشارقة للتراث.. أقول لم تتوقف هذه البحثيات المكانية واللغوية والصميمية عند اللهجة فقط، أو عند الشعر فقط، بل ذهب المسلم إلى الخرافة والحكايات في المكان الإماراتي وهي مرة ثانية حقل ثقافي وأنثروبولوجي بالدرجة الأولى، وأرى شخصياً، أهمية كبيرة لقوائم المسلم في الخرافة والحكايات والقصّ الشعبي الشفهي والمدوّن. هذه الأهمية الأدبية واللغوية لهذه المصفوفة من الخرافات ضرورية جداً للقاص والروائي والمسرحي والشاعر الإماراتي وغير الإماراتي ممن يشغفون عادة بدراسة وقراءة تراثيات الشعوب من حكايات وخرافة وأساطير، وسوف نجد كم أن الكثير من الثقافات الشعبية متشابهة بين الشعوب، وبخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج العربي.

إلى جانب الخراريف وهي عادة تعود إلى مخيّلات الجدّات والأمّهات انتبه عبد العزيز المسلم لتراث آخر يتمثل في (الألغاز) وهي تراث (ليلي) إن أمكن القول فكما أن الخرافة مرتبطة بسرديات الليل وسرديات الجدّات والأمهات، فإن الألغاز كذلك هي شكل من أشكال ارتباط الزمن الليلي بخيال السارد، كأن الخرافة أو اللغز هما شكل آخر من أشكال ليليات شهرزاد في (ألف ليلة وليلة).. مع فارق أن لا شهرزاد ستموت في نهاية الأمر، وأنه في (الخروفة) الإماراتية لا يوجد ملك مصاب بالسأم والضجر، وأشير بالمناسبة هنا إلى جهد عبدالعزيز المسلم الكبير والمحترم في إعادة قراءة ألف ليلة وليلة في إحدى دورات الرّاوي لمعهد الشارقة للتراث، فقد أوجد المعهد مكتبة كاملة خاصة لهذا التراث (الليلي) (الألفي) العالمي.

أدب الرحلات

توقف عبد العزيز المسلم عند الثقافة الشفهية - الإماراتية وذهب إلى أصولها ومنابعها، وكتب في أدب الرحلات (مدائن الرّيح)، وكتب في السيرة والتراجم (دروب الودّ)، وكتب شعراً للأطفال (طفولة حب وسلام)، وهو يجلس على حوالي 40 عنواناً تتمركز كلّها في حقل التراث والثقافة الشعبية والأدب الشعبي، فاستحق تكريم شخصية العام الثقافية في الإمارات من صحيفة الخليج عام 2012، ووسام المبدعين الخليجيين عام 2014 من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

خلية نحل في رجل، هكذا تبادر إلى ذهني حين توقفت لأكشف عبد العزيز المسلم في وصف موجز في كلمات محدّدة، وهو يقود فريق عمل إداري، وبحثي، وثقافي، ونشري، وبكلمة ثانية، يشكل معهد الشارقة للتراث جهة نشرية متخصصة أوجدت بالتالي مكتبة تراثية إماراتية عربية متخصصة أيضاً، وأمكننا اليوم قراءة بحوث ودراسات في مجلة المعهد ذات أفق فكري، وأدبي، و(حفري) في الذاكرة، والمكان، والتاريخ، بل هو الحفر المعرفي المنتظم في ثقافات الشعوب وكنوزها التراثية - الفطرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yvnjhwtm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"