عادي
التأليف والإخراج والبطولة للنساء

المرأة الملك فيلم يكسر قواعد «هوليوود»

22:55 مساء
قراءة 5 دقائق
1

مارلين سلوم

نادراً ما تسمح السينما العالمية، خاصة في «هوليوود»، ببناء فيلم ضخم تكون نون النسوة هي المسيطرة فيه، لهنّ الكلمة، وهنّ رمز القوة العسكرية والبدنية والمعنوية، وهنّ السلطة الفعلية التي تقرر وتنفذ، ويمشي خلفها الرجال. من هنا يمكن القول إن فيلم «المرأة الملك» كسر القواعد الهوليوودية، وجعل المرأة هي العمود الفقري للفيلم، «هي» القائد العسكري، و«هي» الحرس الملكي، و«هي» الجندي المقاتل بشراسة، و«هي» المنقذ لشعبها ومملكتها، و«هي» المفكر والمخطط، و«هي» كاتبة القصة والمخرجة والبطلة، الأولى والثانية. هل يكون الفيلم بقيادتهن ناجحاً ومتميزاً ويصل بالتشويق في القتال والقصة إلى أعلى مستوياته؟

«المرأة الملك» الذي ما زال يعرض في الصالات عالمياً، يجبرك على التعامل معه كقضية إنسانية عن كفاح شعوب إفريقية تمكنت من التحرر من نير العبودية والرق، ويجبرك على النظر إلى هذه الفئة التي كانت مستضعفة، بعين الاحترام والتقدير، ليس بسبب الظلم الكبير الذي وقع عليها بقدر ما هو احترام وإعجاب يفرضهما بطريقة غير مباشرة، من خلال جعله «الشعب الأسود» كما يسمّونه، الأقوى والمنتصر على «الشعب الأبيض» الآتي من بريطانيا والبرتغال والبرازيل لعقد صفقات تجارية مربحة اسمها «بيع العبيد»، والتي لم تسلم منها حتى والدة الملك جيزو حين باعها ابنها (شقيق الملك) للأوروبيين.

1

إذن، نحن أمام عمل استثنائي، البطولة للنساء والرجال في أدوار ثانوية، «الأسود» أقوى من «الأبيض»، والمرأة أقوى من الرجل، والجيش النسائي يقود المعارك القتالية، وعصب الفيلم من تأليف وإخراج وإنتاج وبطولة المرأة أيضاً، مع حضور لا بأس به للرجل، لكنه ليس بطلاً أول، ولا المنقذ، ولا السيد الآمر، ما يجعلك تُقبل على المشاهدة بلا تردد، ولن تكون خاسراً لأن كل العناصر التي ذكرناها ساهمت في تعزيز قوة الفيلم، وقد تمكنت المخرجة جينا برنس بيثوود من جعله فيلم حركة وتشويق ودراما رائعاً، رغم كثرة المشاهد القتالية و«العنيفة» فيه، ولا ننسى الجانب الإنساني الطاغيوالذي يحرك فينا المشاعر فنتعاطف مع الأبطال ونتأثر.

مهمة صعبة

ينطلق الفيلم من سرد لتاريخ المكان والزمان وطبيعة الحياة، وهو مأخوذ عن مملكة داهومي، التي كانت مملكة في غرب إفريقيا (داخل بنين حالياً)، والتي كانت موجودة من عام 1600 تقريباً، وحتى 1904. ازدهرت داهومي مع نمو تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي، وكانت بالنسبة للأوروبيين هلمورد الرئيسي للعبيد، وكلما نشبت حرب بين المناطق وغزت شعوب شعوباً أخرى مجاورة، وسقط أسرى من الأطفال والنساء والرجال، كلما زادت مصادر الدخل من تجارة الرقيق، مقابل سلع أوروبية مثل البنادق والبارود والأقمشة والتبغ والكحول.

1

لذا يعتبر هذا الفيلم مهمة صعبة قامت بها المخرجة جينا برنس بيثوود، وكاتبة القصة ماريا بيلو، وشريكتها في التأليف وكتابة السيناريو دانا ستيفنز، حيث تعاملن بحساسية شديدة ودقة لتقديم عمل عن مرحلة زمنية ومنطقة محددة مع الأخذ في الاعتبار رغبتهن القوية واللافتة في إظهار النساء الإفريقيات باعتبارهن قادرات على تحديد مصيرهن.

بعد النبذة التاريخية، تتوقف القصة عند عام 1823 حيث نرى رجالاً يتسامرون حول مواقد النيران، وإذا بامرأة تهجم بشراسة وخلفها جيش يتحرك بسرعة، في معركة لاسترداد أسرى بلدتهن من «أويو». محاربات «أجوجيه» هن مجموعة من المجندات النساء اللاتي يتم اختيارهن بعناية، وقد أقسمن على الأخوة، وتكريس حياتهن لحماية الملك ومملكة داهومي. النجمة الرائعة فيولا ديفيس تجسد دور نانسكا، الملقبة بالجنرال ميجانون، تحارب مع جيشها النسوي حامل لقب «الحرس الملكي» بالأسلحة «البيضاء»، كما يسمونها، أي بالساطور والخناجر، ويتدربن أيضاً على إطلاق النار بالبواريد، لكنهن يحاربن وهن حاملات السيوف الأشبه بالسواطير.

تنتصر نانسكا، وتحرر الأسرى، لكنها في المقابل تخسر العديد من عناصر جيشها، فتأمر مساعدتها بتدريب مجموعة جديدة من المجندات. وتعود الجنرال ميجانون إلى البلدة وتعبر بين الناس مع جيشها المنتصر، ومحرم على عامة الناس النظر إلى ميجانون، ولو بلمح البصر، فيطأطئون الرؤوس خلال مرورها.

في هذه الأثناء، نرى ناوي، التي تؤديها بمهارة شديدة وتألق بارز النجمة الشابة ثيسو مبيدو، الفتاة العنيدة التي ترفض كل العرسان الأثرياء الذين يأتي بهم والدها للزواج منها، والعملية تتم بما يشبه بيع الفتاة لرجل ثري يتزوجها مقابل أن يقبض ثمنها والدها، وعليها أن تخضع للزوج وتتحمل ضربه لها ومعاملتها كجارية، وكعاملة في منزله. ونظراً لشراسة ناوي، يأخذها والدها ويسلمها إلى إيزوجي (لاشينا لينش) المسؤولة عن تدريب المجندات في قصر الملك جيزو (جون بوييجا)، والمحرم دخوله على كل الرجال. الأب يريد التخلص من ابنته، والفتاة تحقق حلمها بالانتماء إلى جيش أجوجيه.

لمسة إنسانية

قصة الحب لا تطغى على الهدف الأساسي والرئيسي من الفيلم بل تزيده ربما لمسة إنسانية، علماً بأنها لن تكون المحرك الأبرز لمشاعر الجمهور، بل تتفوق عليها لحظة بكاء ناوي واحتضانها إيزوجي إثر إصابتها في سوق العبيد؛ الفيلم يمتد لساعتين وربع الساعة، وهو ثري بالأحداث والتفاصيل التي لا يمكن سردها كلها، كما أنه ثري بأداء كل من ثيسو مبيدو، وفيولا ديفيس، ولاشانا لينش، وشيلا أتيم، وكل فريق الممثلات والممثلين، وبالقصة والحبكة والإخراج؛ والأهم في هذا العمل أنه يقدم القوة بجانبيها الخارجي (البدني)، والداخلي لدى الإفريقيات، ويشدد على العزيمة والصلابة والقدرة على تحمّل الألم والمآسي والانتصار أيضاً، نفسياً وواقعياً، حيث تكمن القوة الحقيقية لتلك المقاتلات في قوتهن الداخلية، وإيمانهن بحقهن في التحرر من العبودية والعنف، والانتصار الفعلي هو الانتصار الداخلي واكتشاف الذات والقدرة على التصالح معها، والذي جسدته نانسكا في النصف الأخير من الفيلم، تلك المرأة الصلبة والمهزوزة بمشاعرها في آن، والتي نالت إعجاب الملك واستحقت لقب «المرأة الملك»، بينما عرفت ناوي هذا الانتصار الداخلي منذ البداية، وكانت النموذج الصارخ للجرأة والتصالح مع النفس والقدرة على المواجهة بلا تردد.

تصاعد

تبدأ الأحداث بالتصاعد، ومع لقاء نانسكا بالمجندة الجديدة، ناوي، تتفرع القصة إلى حكايات جديدة، وذكريات مؤلمة، وتحوّل جذري في المسار والمصير. علاقة فيها الكثير من التوتر، مغلّفة بإعجاب، وتودد نفهم أبعاده لاحقاً، ولن ندخل في تفاصيله لأنه يشكل عنصراً مهماً من عناصر القصة، والمنحى الذي تسلكه حتى النهاية. كذلك يدخل على الخط شاب يصل من البحر مع وفد قادم من البرازيل من أجل إتمام صفقة تجارية، شراء الأسرى العبيد والإبحار بهم بعيداً، اسمه مالك (جوردن بولجر) لون بشرته السمراء يكشف لاحقاً أن والدته من داهومي كانت أسيرة وتم بيعها لرجل أبيض، فهل تكتمل قصة الإعجاب بينه وبين ناوي، فيبعدها عن هدفها السامي في القتال مع أجوجيه؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2z7mrfjw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"