النفوذ الغربي في آسيا الوسطى

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

أعاد تطور العلاقة بين كازاخستان والغرب مؤخراً إلى الواجهة، الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول الغربية من أجل إعادة «التموقع» في آسيا الوسطى التي باتت تمثل أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للقوى العظمى في سياق دولي وجيوسياسي يتميز بتزايد المنافسة بين الغرب بقيادة واشنطن من جهة، وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، وهي المنافسة التي بدأت تأخذ شكل مواجهة مفتوحة مع بداية الحرب في أوكرانيا، وقيام الغرب بتقديم دعم عسكري واستخباراتي ومالي غير مسبوق للحكومة الأوكرانية.

وتشير التقارير الدولية إلى أن آسيا الوسطى مرشحة لأن تكون منطقة استقطاب محورية في الصراع بين الشرق والغرب، من أجل محاصرة روسيا والصين في مجالهما الجيوسياسي، مع التركيز على عملية تطويق روسيا شرقاً وغرباً. وتتشكل هذه المنطقة من 4 دول هي كازاخستان، وأوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 70 مليون نسمة، وكانت تمثل جزءاً من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وهي دول محاطة جغرافياً بروسيا والصين وإيران وأفغانستان، الأمر الذي يفسِّر حرص الدول الغربية على تطوير تعاونها معها، لا سيما مع كازاخستان البالغ عدد سكانها 17 مليون نسمة 24% منهم روس، ويتكلم نصف سكانها اللغة الروسية، وتريد أن تكون لها علاقات متوازنة مع الشرق والغرب، على الرغم من كونها مازالت تحتضن محطة بايكانور الفضائية الروسية.

ويمكن القول إن تداعيات الحرب في أوكرانيا ضاعفت إلى حد كبير الدور الجيوسياسي لكازاخستان التي تعمل قيادتها على تطوير دبلوماسية متعدّدة الزوايا، للحفاظ على علاقات متوازنة مع الجار الروسي، مع الانفتاح في اللحظة نفسها على الغرب، لذلك فإن زيارة الرئيس توكاييف المرتقبة إلى فرنسا مع نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ستعطي دفعاً جديداً لعلاقات كازاخستان مع الغرب، في مرحلة تحوّلت فيها أستانا عاصمة كازاخستان، إلى محطة مهمة في أجندات الدبلوماسية الدولية.

وبالتالي فإن النزعة الاستقلالية المتنامية التي تتبناها حكومة أستانا تفسّر بالنسبة للمراقبين الغربيين قيام روسيا في يوليو/تموز الماضي بالتوقيف المؤقت لعمل أنبوب بحر قزوين الذي يمرّ عبر روسيا، والذي ينقل الجزء الأكبر من نفط كازاخستان، وهو الإجراء الذي يدفع أستانا إلى البحث بشكل جدي عن بديل له.

ونلاحظ في السياق نفسه أن كازاخستان تمثّل إلى جانب باقي دول المنطقة، أهمية استثنائية بالنسبة للصين، من أجل تجسيد مشروعها المتعلق بطريق الحرير، ولم يكن من باب الصدفة أن يخصّص الرئيس الصيني أول زيارة له خارج بلاده منذ بداية جائحة كورونا إلى العاصمة الكازاخستانية، بعد تحوُّل أستانا إلى عاصمة للدبلوماسية العالمية تسعى من خلالها بكين، وتحديداً موسكو، إلى كسر الحصار الدبلوماسي الغربي. وتذهب التحليلات الغربية في هذا الشأن إلى أن بكين تريد أن تعوّض بشكل تدريجي، الحضور العسكري الروسي في آسيا الوسطى؛ لأن انشغال روسيا بالحرب وتركيزها على جبهتها الغربية، يضعف إلى حد كبير قدرتها على توفير الحماية لدول المنطقة، ويجعلها أكثر خضوعاً للنفوذ الصيني في مرحلة تسعى فيها بكين إلى تحويل آسيا الوسطى إلى ممر استراتيجي يربط «أوراسيا» بالشرق الأوسط.

وعليه، فإن الدول الغربية تحاول أن تستثمر المنعطف الجيوسياسي الذي دشّنته الحرب الروسية في أوكرانيا لخلق وقائع جديدة في آسيا الوسطى، مستثمرة في ذلك هشاشة النظام السياسي لدولها، ورغبتها في تدعيم استقلاليتها، وبخاصة أن تحالف رابطة الدول المستقلة الذي تقوده روسيا لم يعد يلعب الدور نفسه الذي كان يلعبه في العقدين الماضيين في توفير الاستقرار لدول المنطقة، وهذا ما دفع الرئيس الطاجيكي مؤخراً إلى القول، إن روسيا يجب عليها ألا تتجاهل مصالح دول آسيا الوسطى الصغيرة، كما كانت تفعل في زمن الاتحاد السوفييتي.

وقد دعا أوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في سياق متصل، بلاده ومعها الاتحاد الأوروبي إلى الاهتمام بشكل أكبر بآسيا الوسطى، التي ستكون خلال السنوات المقبلة مفتوحة على تحولات كبرى، وقد تشهد أيضاً تطورات تؤثر في الاستقرار الدولي بسبب اتساع تأثير الجماعات المتطرفة في محيط وادي فرغانة الذي يضم 11 مليون نسمة؛ أي خمس سكان دول المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yw5t8rr6

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"