عادي

إريك هوبزباوم.. التاريخ من أسفل

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
4

القاهرة: «الخليج»
هناك ما يشبه الإجماع في أوساط الدارسين المعاصرين، على اعتبار إريك جون بلير هوبزباوم (9 يونيو 1917 – 1 أكتوبر 2012) واحداً من أشهر المؤرخين المعاصرين في بريطانيا وأوروبا، بل إن الباحثين اليساريين ينزعون إلى اعتباره أبرز مؤرخي القرن العشرين، وتميل الفئة الأولى إلى التركيز على جدارته العلمية، ونهجه الموضوعي الشامل متعدد الأبعاد في دراسة التاريخ الحديث.

بينما تضيف الفئة الأخيرة من المراقبين سلسلة أخرى من السمات التي تميز منهجه الفكري، ومن بينها منظوره المادي الجدلي في تحليل الظواهر التاريخية، وإلزامه التعايش مع واقع العالم المعاصر السياسي والاجتماعي، واستمراره - حين كان على مشارف التسعينات من عمره - في التعبير عن مواقفه وآرائه الجريئة، إزاء أحداث الساعة.

كان هوبزباوم قد درج على التأكيد في المقدمات التمهيدية لكل أعماله على أنه لا يسرد التاريخ - كما يؤكد د. مصطفى الحمارنة في تقديمه لترجمة كتاب «عصر الثورة» - ولا يعيد صياغته، ولا يؤرخ لوقائعه أو يصف أحداثه، كما تفعل جمهرة المؤرخين من قدامى ومحدثين على السواء.

إنه يتوجه إلى القارئ والمراقب والباحث الذكي المتعلم فحسب، فيدرس ظواهر التاريخ الأساسية والأحداث الكبرى المؤثرة في حياة الناس في المجتمعات البشرية، ويحلل أسبابها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة، ويربط بعضها ببعض على نحو متكامل، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من دون استثناء، بحيث تكون الحصيلة النهائية صورة نابضة بالحياة للواقع البشري في مرحلة معينة، تتسلسل على نحو جدلي مع ما يسبقها وما يليها من مراحل.

في سياق الإطار الفكري الجدلي العام الذي كان يتحرك فيه هوبزباوم فإنه يستهل أول مؤلفاته المهمة «المتمردون البدائيون» بمقولة يرى خلالها أن الحركات الاجتماعية التي حدثت في غرب أوروبا وجنوبها في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقام بها فلاحو الأندلس في إسبانيا، وعمال المناجم في بريطانيا، وحتى المافيا في صقلية، لم تكن وقائع لا يمكن التكهن بها، أو أحداثاً منبتة الصلة بما قبلها وبعدها وحولها، كما أنها ليست من التفاهة إلى حد دفع أكثر المؤرخين إلى تهميشها أو اعتبارها حالات عابرة من التمرد التلقائي الفاشل.

على الرغم من ذلك فإن هذه الحركات – تبعا لرأي هوبزباوم – تظل مسالك جانبية ومؤشرات بارزة على مسيرة المجتمعات في المستقبل، ومكونات رئيسية في القوة الدافعة التي تحرك مسارات التاريخ البشري، والأهم من ذلك كله أن هذه الحركات الاجتماعية البدائية، على ما بينها من اختلاف، تمثل آخر الأمر روافد مؤثرة، تعزز التوجه نحو التغيرات الكبرى، التي تتجلى في التاريخ الحديث، في سلسلة من المنعطفات والثورات الحاسمة في العالم، ومنها الثورات الصناعية والفرنسية والأمريكية والروسية.

ترتكز منهجية هوبزباوم في التحليل السياسي الاجتماعي على قاعدة معرفية موسوعية، حول جميع مناحي الحياة في أوروبا وبقاع كثيرة من العالم، في الفترة الممتدة بين بدايات القرن السابع عشر ومطلع القرن الحادي والعشرين، في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والفنون، وهو يرى أن مهمة المؤرخ هي «اكتشاف الأنماط والآليات التي حولت العالم من حال إلى حال».

في هذا الإطار الذي يتحاشى السرد الوصفي، ويركز على التفسير الاجتماعي لحركة التاريخ، أي من «الأسفل للأعلى» تمكن هوبزباوم من وضع سلسلة من الدراسات في تحليل التاريخ الحضاري لأوروبا، وتخللت هذه المؤلفات دراسات مهمة من بينها «الصناعة والإمبراطورية» عن الثورة الصناعية في بريطانيا، و«الأمم والقومية» وكتب أخرى، إلا أن إنجازه الأهم والأكثر شهرة وذيوعا في الأوساط الفكرية والأكاديمية، يتمثل في ما أصبح يسمى «الثلاثية» عن التاريخ الحضاري لأوروبا منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر حتى مطالع القرن العشرين.

واشتمل على ثلاثة مؤلفات مرجعية هي «عصر الثورة» و«عصر رأس المال» و«عصر الإمبراطورية» وتحولت الثلاثية إلى رباعية بإصداره «عصر التطرف القرن العشرون القصير من 1914 إلى 1991» عن تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الأولى حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، وتغوّل الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9xmewtxx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"