عادي

الكلمة تضيء

22:36 مساء
قراءة 6 دقائق
«بيت ابتهال» لزينب صعب

الشارقة: عثمان حسن

سبعة عشر خطاطاً وفناناً عربياً وعالمياً يقومون بتصميم نماذج معاصرة من فنون الخط والحرف، مستلهمين شعار ملتقى الشارقة للخط «ارتقاء».. وفي هذه المحاولات الجديدة يطلق الفنان مخيلته في فضاء التجريب على نحو يستنفر الطاقة الكامنة في الحرف، وهو ما يؤكد على السمات الفائقة لفن الخط الذي له قواعده الخاصة في التكوين والإيقاع والانسجام، وهي عناصر تجلب الانتباه والفرح لعين المشاهد المتمرس ومحب الجمال والتشكيل.

هذا ما نشاهده في كثير من التجارب المعاصرة في الملتقى، ومن ذلك التجربة الفريدة للفنانة البولندية ألكساندرا توبورويس، التي تعالج الحرف الواحد من خلال تجهيز فني اسمه «المشكال» ويعمل على مضاعفة الحرف عن طريق تحريكه داخل هذا «المشكال»، فينتج عن ذلك مزيج من الحروف «اللاتينية والعربية» معاً بعدد لا يحصى من الزخارف الفريدة، والمشروع يعتمد بشكل أساسي على تكوين عدد لا متناهٍ من الحروف، وتحقق الفنانة من خلال هذا التكوين تمثيلات شعار المعرض «ارتقاء» من عنصر واحد، بل حرف واحد، إلى صور متحركة فريدة ناتجة عن تكراره أو مضاعفته.

والمشكال عبارة عن أنبوب أو جهاز بصري يتكون من مرايا عاكسة، ويحتوي على خرز ملون، وحصى، هذه المرايا تعكس صور قطع من الزجاج الملون في تصميم هندسي متماثل، ويمكن تغيير التصميم إلى ما لا نهاية عن طريق تدوير القسم الذي يحتوي على الأجزاء السائبة أو الضائعة. ويعود اختراع «المشكال» إلى عام 1816 من قبل السير ديفيد بروستر، الذي حصل على براءة اختراع في عام 1817.

تحول

في تجربة أخرى يعرض الفنان الروسي بوكراس لامباس من خلال عمله «تحول» لفكرة تحول الثقافات المختلفة من خلال فن الخط في توازن وتناغم، وفكرته تقوم على استخدام الحروف القديمة والتقليدية، ويقدمها بأشكال حديثة ومبتكرة غاية في الروعة والجمال، يبحث بوكراس في أنماط الخط القديم واستخداماته في الحاضر، وهو يستشرف تحولات هذا الخط في المستقبل بالتناغم مع فكرة الملتقى «ارتقاء»..

هو يبحث في كثير من النصوص التي كتبت عن فنون الخط عند كثير من الثقافات، يدرس أنماطها وفنونها وتحولاتها.. وفي معرضه «تحول» يجذب بوكراس المشاهد إلى طرق عديدة لكتابة النصوص وما تنطوي عليه من فرادة عند هذه الثقافات، كما ينجح في استدراج المتلقين أو المشاهدين إلى محاولة قراءة هذه الأنماط، كل بطريقته الخاصة، وكل حسب اطلاعه ومعرفته بفنون الخط في لغات عديدة وليست عربية فقط، ومن هذا المنطلق ينجح مرة أخرى في تحفيز ملكات الخيال والمعرفة عند الجميع، وهذه مفاتيح للتعلم واكتساب الخبرة والتعلم.

وبوكراس هو واحد من أبرز ممثلي فن الخط الحديث في روسيا، حول تركيزه إلى فن الخط في الشوارع بعد العام 2008، في مرحلة لاحقة أصبح سفيراً رسمياً لمؤسسة «كالي جرافيتي»، وهو ما زال يواصل مشروعه وأسلوبه الخاص الذي يسميه «الخط المستقبلي».

زمن الصمت

في تجربة حروفية فريدة من نوعها تقدم الفنانة الكولومبية ميريام لوندونيو مشروعاً يسلط الضوء على جزء مؤلم من التاريخ الحديث لكولومبيا، وهي تعيد هذا الموقف إلى الأذهان من خلال اكتشافها للكلمات المتشابكة في خيوط ورقية طويلة، تشكل النسيج الرئيسي في عملها الفني، هذه الخيوط بالنسبة للفنانة عبارة عن أصوات رقيقة تنهار من السقف إلى الأرض، كما لو أنها تهمس بمجموعة من القصص المشحونة بالمعاناة.

ومعظم هذه القصص تحكي عن نساء عانين ألواناً كثيرة من العنف خلال الصراع الكولومبي، والقصص بذاتها مأخوذة من تقرير «قصص مكان في حالة حرب ترويها أصوات النساء».

ما هو لافت في هذا العمل أو التجهيز الحروفي هو أنه يتألف من نحو 200 جملة طويلة مكتوبة بخط اليد، وباستخدام عجينة الورق مثبتة عمودياً في الفراغ، تحاول لوندونيو أن تقدم عملها ككتاب من دون صفحات، بل هو يتكون من نصوص صوتية أو أثيرية حادة وشفافة.

درست لوندونيو في جامعة أنتيوكا في ميديلين كولومبيا وفي أكاديمية الفنون في فلورنسا بإيطاليا، وحصلت على الماجستسر في تحليل الفن المعاصر، وأعمالها معروضة في كثير من دول العالم.

إلهام عاشر

وفي تجربة للفنانة البريطانية روزاليند وايت بعنوان «إلهام عاشر» يقف المتلقي على مشاهد تنتمي للفن المعاصر، وهي تجربة تستدرج المشاهد للدخول في عالم متخيل، من خلال مساحة رباعية الأبعاد من البصر والصوت، والخط والقماش والظلام والضوء والحركة والسكون.

والدخول إلى هذا العمل يحرض المشاهد على اكتشاف «الملهم العاشر»، وهو عالم غامض، فثمة تسعة أعمدة مائلة مطرزة يدوياً بخط مفصل، وكل عنصر في هذه المساحة صمم يدوياً، وللصوت قدسية وجمال في قلب الإنسان كما تؤكد وايت، التي تستدعي الأساطير اليونانية، حيث كانت هناك تسع شخصيات ملهمة، إلا أن شكسبير في السونيتة 38 يدعونا لأن نكون الشخصية الملهمة العاشرة.

ما هو مهم وأساسي في هذا العمل الساحر، أن تصميمه يستدرج المشاهد وبكل بساطة إلى تحفة فنية تتشكل من عوالم الخط والألوان والزخارف التي تستلهمها الفنانة من ثقافات وفنون مختلفة، وبينها بالتأكيد الفنون الإسلامية.. فثمة تسع لفائف نسيجية مصنوعة من الكتان الإنجليزي، وذات تطريز يدوي يظهر أعمالاً حروفية معاصرة تم إنشاؤها من قبل استوديو روزاليند وايت، وكل لفيفة أو منسوجة مصممة بشكل فريد؛ حيث تشكل الكلمات مصدراً للإلهام، والعنصر الزخرفي المحيط بالعمل الحروفي يشكل إطاراً أو عتبة معمارية مستوحاة من العمارة الإسلامية.

بيت ابتهال

تجربة أخرى لا تقل أهمية في استثمار طاقة الحرف في التكوين المعاصر تقدّمها الفنانة زينب صعب من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي بعنوان «بيت ابتهال»، وتقدم من خلالها مخطوطين الأول بعنوان «أتمنى أن تنجح»، والثاني «ما الربح المحقق».. والعملان يجسدان الكيفية التي يمكن للذات الإنسانية الحائرة أو المضربة أن تبحث عن ذاتها نحو ملاذ روحي يرشدها، ويحميها، ويشفيها من الجروح والآلام.

كما تقدم زينب صعب عملاً ثالثاً بعنوان «كن»، وهو كسابقيه يحاول أن يتمثل الذات على شكل كتاب حقيقي، تظهره الفنانة على شكل سلسلة من الحروف أو «التمثيل الحروفي» الذي يظهر كيف تتشكل البداية والنهاية في الوقت نفسه في الجسد، وهيكل الكتاب؟.. هذه المحاولة الحروفية المعاصرة، تسترشد بطاقة الروح الكامنة في الحرف، وبالضرورة الكامنة في الإنسان.

تقيم الفنانة صعب في بورتلاند ولاية أوريغون، وهي متخصصة في الفنون الجميلة ويركز عملها المشارك في ملتقى الشارقة للخط على استكشاف الطفل الداخلي في الإنسان، من خلال نظرية الألوان ومفهوم الشبكة، والشبكة هنا، هي خليط من الحروف والكلمات ذات المغازي والدلالات الروحية.

إن الله جميل يحب الجمال «بهذا العنوان ذي الدلالة المباشرة والواضحة، يقدّم الفنان المصري عبدالرحمن الشاهد عمله الفني في الملتقى، وهو عبارة تحمل دلالات ومعاني سامية، وهي بالضرورة تؤكد إشارات الارتقاء والرفعة؛ حيث خلق الله سبحانه وتعالى الكون على أسس جمالية متزنة، وعناصر الاتزان تتأسس على عدة أقانيم: «الربط» و«التوازن» و«التوافق» و«التطوير»، وغيرها من أسس الجمال، وقد حثّ الله سبحانه وتعالى على تلمّس الجمال فيما حول الإنسان، حيث عالم الجمال المطلق الذي يؤدي إلى استيعاب معاني هذه الروح وأهميتها في تحقيق سعادة البشرية.

اختار عبد الرحمن الشاهد في عمله الكثير من الألوان المضيئة، ليرمز من خلالها إلى التنوع الخلاق والتضاد المبهج في بناء عمله الفني من الكرات الزجاجية، في إشارة صريحة إلى أهمية الدائرة في الثقافة الإسلامية، ودورها في تحديد نسب الجمال في الكون.

مدار الحرف

وفي تجربة تستلهم قوة وطاقة الحرف يقدم الفنان الأردني حسين الأزعط عملاً مشاركاً في الملتقى بعنوان «مدار الحرف»، وهي تجربة بصرية وحروفية جديدة، يوظف من خلالها حسين الأزعط الحروف الخمسة الأولى من الأبجدية العربية، (الألف والباء والجيم والدال ويختتم بالهاء)، فالألف عند الفنان ترتقي وتعلو، والباء موجودة في البيت والبر والبحر، كذلك هو حرف الجيم في الجبل والجمل والجنة، والدال في دارها ودورانها مروراً بالهاء ذات العينين الخاشعتين خشوعاً في مقام الله تعالى، الهادي، الظاهر، القهار، الوهاب، الذي بنور كلماته تشعّ الأكوان.

وفي المعرض اشتباك مع شكل المربع ودلالاته في الموروث الإسلامي، فهو يستحضر شكل الكعبة، وكسوتها المطرزة، انحاز حسين الأزعط في عمله لثيمة البساطة والزهد، في محاورة لفكرة «الواحد» الذي يتعدد، والمتعددين الذين يتوحدون في واحد،.

الصحوة الداخلية

«الراندا» هو عنوان العمل الفني الذي يعرضه ثلاثة فنانين قادمين من الأرجنتين هم: فرانكو منديز، وفرناندو راموس، وجبران الغصني، وهو عمل يعكس ثقافة شمال الأرجنتين على وجه الخصوص في تقاطعها مع الثقافة العربية.

ما يجسد هذه العلاقة المشتركة بين الثقافتين هو «الراندا»، وهو كما يؤكد الفنانون نسيج عتيق يعدّ من التراث والتقاليد التي تعود إلى زمن الاستعمار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8ehdmm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"