مفارقات المقارنات الموسيقيّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس الجاز أعجوبة؟ لكن السؤال لا يعني الإعجاب بالضرورة. الأفضل البدء بسؤال بعيد يقرّبنا من الموضوع: ما الذي تريده الموسيقى العربية لكي تتطور أو حتى تقبل التطوير؟ ما الذي يمنعها من الحلم والطموح إلى الانتشار والعالمية؟ هو ذا الجاز بهشاشة بضاعته، من حيث المقومات النظرية، قد استطاع، أو قد أريد له أن يتحول إلى أكبر تسونامي موسيقي في التاريخ. يجب أن نضع في الحسبان أنه فتح المجال لتجارب صارت بدورها سلسلة من التسوناميات.
تسأل عن سبب التساهل في الحديث عن هشاشة البضاعة النظرية؟ لا شك في أن التيارات النقدية التي دعمت الجاز، تلقائياً أو بمؤثرات لا علاقة لها بالفن والموسيقى تحديداً، لعبت أدواراً على الصعيد النفسي والاجتماعي، من خلال التحشيد والتنظيم والدعاية والإعلان والعلاقات العامة، لظاهرة موسيقية لا تملك ذلك العمود الفقري الفولاذي الأسطوري. الجاز قوامه ضعيف في بنيته النظرية. أعمال الجاز للبيانو، لا يستطيع عاقل، حتى من منطلق كاريكاتوري ساخر، مقارنتها بروائع فرانز ليست، شوبان، تشايكوفسكي، ديبوسي.. المقارنة سذاجة.
 انعدام الأفكار الموسيقية ثغرة أخرى لا تُسد. من العسير انتظار أفكار موسيقيّة في أعمال لا تقوم على التأليف الموسيقي. تخيّل ذلك في التنمية، هل يمكن بالارتجال وضع خطة اقتصادية مُحكمة عشريّة؟ في «يوتيوب» صنابير جاز مفتوحة على مدى أكثر من عشر ساعات أحياناً: جاز للاسترخاء... جاز للتركيز والدراسة، جاز للنوم، وساعات أخرى للخريف، للربيع، لنشاط الصباح، للمساء والسهرة. من دون شك يعود ذلك إلى التقنيات الرقميّة. لهذا لا تُعدّ تلك الأنماط أعمالاً موسيقية. غدونا في مفاهيم موسيقية مختلفة.
الجانب الآخر من الأعجوبة، هو الانتشار العالمي، أو بالأحرى عولمة الجاز، وتجذّر هذه العولمة، بحيث أفضت إلى نشوء «نكهات» محلية. ظهر جاز إيطالي، إسباني، فرنسي، ياباني، كوري، فيتنامي، أمّا الأمريكي اللاتيني فأسهبْ وأطنبْ. يجب أن نطلق للخيال العنان حتى نستوعب أعاجيب ما حدث. أليست التقاسيم العربية موسيقى ارتجالية، على العود، القانون؟ تخيل الآن حدوث معجزة، يقيناً المعجزة أقرب إلى الذهن وأسهل تحققاً من أن تصير للموسيقى العربية استراتيجية تحلّق بها في الأعالي، تصور أن تكتسح التقاسيم العربية المرتجلة جميع الأداني والأقاصي. تقاسيم صباحية، مسائية، للحيوية، للسبات، ربيعية، صيفية، للهرولة، للركض... للوتريات، لآلات النفخ الخشبية والنحاسية، للبيانو. تقاسيم عربية يابانية، برازيلية، صينية، ألمانية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الذهولية: الموسيقى العربية تحتاج إلى علاج عبر البحث العلمي؛ لأنها لم تبلغ العالمية بالموسيقى الجادة، واشتهرت بظاهرات مثل «دي دي دي».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dbu2jfy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"