«واقعية» أردوغان

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عندما تخلّت تركيا عن سياسة «صفر مشاكل» منذ عام 2011، دخلت في حالة من العداء مع معظم الدول العربية، خصوصاً بعد أن قررت احتضان «جماعة الإخوان»، وشرّعت أبوابها أمام جحافل المرتزقة الذين خربوا ودمروا العراق وسوريا، ثم تحولوا إلى مصدر تهديد إلى تركيا نفسها.

أدركت تركيا مؤخراً أن هذه السياسة عزلتها عن محيطها الطبيعي، وأدت إلى خسائر سياسية واقتصادية كبيرة لم تكن تتوقعها، ما جعلها تتراجع وتعود إلى سياسة «تصفير المشاكل»؛ لأنها الأجدى والأنفع لها.

العودة إلى «الواقعية السياسية» وتطبيع العلاقات مع معظم الدول العربية، خطوة في مصلحة تركيا بالدرجة الأولى. وفي المسار الواقعي الجديد بدأت تركيا تتراجع عن حالة العداء مع سوريا، وتلمّح إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، والتي كانت قبل ما يسمى «الربيع العربي» متميزة، وتأخذ مدى واسعاً في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاستثمارية.

جرت مياه كثيرة في نهر العلاقات التركية السورية خلال السنوات الماضية، شكّلت في بعض المراحل سيولاً ومياهاً جارفة، أدت إلى تعقيدات صعبة لم تنفع معها كل الجهود التي بذلتها روسيا وإيران لتجسير العلاقات، أو فتح ثغرة في الحائط المسدود بين دمشق وأنقرة.

لكن في إطار الانعطافة التركية الأخيرة، يبدو أن هناك محاولات جدية لبحث السبل الهادفة إلى تمهيد الطريق لبدء جوار جدّي بين البلدين لاستعادة الثقة، من خلال تأمين مصلحة البلدين، من منطلق مقولة «لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة؛ بل مصلحة دائمة». ولأن من مصلحة البلدين الوصول إلى صيغة تحفظ مصالحهما الأمنية والسياسية، فقد بدأ تحوّل واضح بهذا الخصوص، من خلال «لقاء قصير» بين وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماع لدول عدم الانحياز، ثم في الاجتماعات الأمنية بين المسؤولين الأمنيين، وتصريحات وزير الخارجية جاويش أوغلو بشأن أهمية التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وتصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة التي لم يستبعد فيها لقاء نظيره السوري الرئيس بشار الأسد، وقوله إنه ينوي «تجاوز مراحل جديدة» مع دمشق، معتبراً أن «تحسّن العلاقات بين البلدين من شأنه أن يسهم في إحلال السلام في المنطقة».

يذكر أن تركيا لطالما أكدت في البيانات التي صدرت عن القمم التي جمعت الرئيس أردوغان مع الرئيسين الروسي والإيراني دعمها لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، وقول الرئيس التركي مؤخراً إن تركيا «ليست لديها أطماع» في الأراضي السورية.

كل هذه التطورات والمواقف تشكّل بداية طيبة لخطوة أولى على طريق استعادة العلاقة الطبيعية بين البلدين الجارين، بما يمكّنهما من التنسيق معاً في مواجهة التحديات التي تواجههما، وخصوصاً «الحالة الانفصالية» الكردية شمالي سوريا التي باتت تهدّد الأمن التركي، إضافة إلى وجود الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة إدلب السورية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdersuc8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"