عادي

الشهيد جلَّ جلاله

23:18 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
من المعروف باللغة العربية أن تصريف الفعل يدل على شدة حضوره وارتباطه بالمعنى المراد الحديث عنه؛ إذ كلما حمل الفعل صيغة أقوى كان أدل على المعنى، فإن قلنا: «شهد» أمراً ما، فهذا يقصد به أنه حضر الحدث، لكن ربما لم يحط بجميع تفاصيله، والمعنى الأقوى منه «شاهد» بمعنى أنه كان مطلعاً على الأمر في ظاهره من دون الإحاطة بجميع خفاياه، والأقوى من المعنيين حينما نقول «شهيد» على وزن فعيل، فهنا المعنى أنه قد اطلع على الأمر، وأحاط بأدق أدق تفاصيله، ولم تخفَ عنه أية جزئية فيه. كما أن الشهيد يقصد به أن علمه بالشيء ظاهراً كعلمه فيه باطناً؛ لذا كان من أسماء الله الحسنى الشهيد، فما معنى هذا الاسم بحق الله، تعالى؟

الشهيد على وزن فعيل، فهو صيغة مبالغة من شهد وشاهد فهو شهيد محيط بخفايا خفايا الأمور، لا يُعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. ولعظم هذا الاسم، ولرحمة الله بعباده ذكر في القرآن ثماني عشرة مرة، وقد يقول قائل: لماذا لشدة رحمة الله ذُكر هذا الاسم كثيراً؟

والجواب أن الله، تعالى، رحيم بعباده لا يريد أن يقع منهم أي ذنب، فهو ينبههم في أكثر من موضع إن غابت رقابة الناس عنك، وإن كنت في مكان أيها العبد، وقد تخفيت من كاميرات المراقبة، وإن كنت في ظلمات البحر أو في باطن الأرض أو ظاهرها، فأنا شهيد على أفعالك، مطلع على أقوالك، فإن أدرك العبد هذا الأمر، وشعر بأن الله شهيد على حركاته وسكناته، فإنه ارتقى إلى معنى الإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولم يكن من الذين إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، لظنهم أن الله غير مطلع عليهم.

«الله شاهدي، الله ناظري، الله معي»، إن عاش العبد هذه المعاني، أدرك حقيقة اسم الله الشهيد، وأنه في ملكوت الله، وأنه مطلع عليه، هنا ستنعكس هذه الرقابة على أفعاله؛ بل وعلى نواياه فهو لن يقوم بعمل يبتغي فيه رضا الناس وإنما أعماله، ظاهراً وباطناً، ستكون بغية الوصول إلى رضا الله، تعالى، وكسب محبته. ويكفي العبد المؤمن إن قرأ قوله تعالى: «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ...»، الأنعام: 19 أن يدرك شهادة الله عليه، فإن كان الإنسان يستحي من اطلاع الناس عليه، فالله أحق أن يستحي منه ويخشاه.

وقيل:

إذا خلوت بريبة في ظلمة

والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل

لها إن الذي خلق الظلام يراني

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye242hy6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"