عادي

ليبيا.. الحصار يضيق حول الدبيبة

23:04 مساء
قراءة 4 دقائق
عقيلة صالح وخالد المشري

محمد فراج أبو النور *

لجوء رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إلى استخدام القوة المسلحة لمنع اجتماع المجلس الأعلى للدولة - بقيادة خالد المشري – مؤخراً في طرابلس، أعاد إلى الأذهان مشهد منع رئيس الحكومة المنتخب من البرلمان فتحي الباشاغا من دخول طرابلس، ومع أعضاء مجلس النواب من السفر إلى بنغازي لحضور اجتماع البرلمان

واضح تماماً أن الدبيبة قد قرر استخدام الميليشيات المسلحة والعنف السافر سبيلاً للاستمرار في السلطة دون اعتبار لأي معايير قانونية أو دستورية، ولمنع جميع القوى السياسية الأخرى من التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه حلحلة الأوضاع المستعصية المسيطرة على ليبيا منذ أعوام طويلة، أو ما يطلق عليه تسمية «الانسداد السياسي».

اجتماع المجلس الأعلى للدولة - الذي منعه الدبيبة للمرة الثانية - كان مقرراً أن يناقش - ويصوت على - الاتفاق الذي توصل إليه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس «مجلس الدولة» خالد المشري بإجراء تعيينات جديدة في المناصب السيادية بحلول بداية العام المقبل (2023) وتوحيد السلطة التنفيذية (تشكيل حكومة جديدة) واستكمال الحوار لإرجاء ما يلزم من قرارات لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفق خارطة طريق محددة، وبعد الاتفاق على تشريعات تجري على أساسها الانتخابات.

وتم الاتفاق بالفعل على تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات، وهيئة الرقابة الإدارية، على أن يجري تغيير شاغلي المناصب السيادية الأخرى، بما فيها محافظ المصرف المركزي (الصديق الكبير) بحلول نهاية العام الجاري وتربطه علاقة وثيقة جداً بالدبيبة ويمول الميليشات التابعة له. وقد تم الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية امتدت من القاهرة إلى إسطنبول وجنيف والمغرب، وتم الإعلان عنه في مدينة (بوزنيقة المغربية) باعتباره امتداداً للمسار المعروف بنفس الاسم.

الدبيبة يرفض الاتفاق

وقد رحب بالاتفاق بين عقيلة والمشري، أغلب القوى السياسية في شرقي ليبيا وغربها، بما في ذلك «حزب التنمية والعدالة - الإخوان المسلمين» غير أن الدبيبة رفض فوراً، وطلب مجلسي النواب و«الدولة» بوضع «قاعدة دستورية عادلة» أولاً.. تجري على أساسها الانتخابات، واصفاً تغيير أو تقاسم المناصب السيادية بأنه نوع من «المسارات الموازية» غير المقبولة، وهو ما رد عليه المشري بأن هذه القضية ليست من اختصاصات أو صلاحيات الدبيبة، مشيراً إلى أن حكومة الأخير لا يمكنها إجراء انتخابات نظراً لشبهات الفساد الكثيرة التي تحيط بها، ووجود عدد من وزرائها في السجون بهذه التهمة.

بدأ الدبيبة يشعر، بأن حلقة الحصار تضييق من حوله، لخشيته من احتمال تصويت «مجلس الدولة» ضد الاتفاقات التي وقعها مع تركيا بشأن الاستثمارات النفطية المشتركة وقضايا الدفاع وغيرها، أثناء زيارة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي أكار (بداية أكتوبر الماضي).. وكان (73) من أعضاء مجلس الدولة قد أصدروا بياناً أعلنوا فيه رفضهم للاتفاقات وتأكيدهم عدم قانونية توقيع حكومة الدبيبة عليها.. ونظراً لذلك كله فقد لجأ الدبيبة لمنع اجتماع «مجلس الدولة» مرتين، كانت ثانيتهما بالقوة المسلحة، ومحاصر مقر الاجتماع بالمدرعات.

تنازلات المنطقة الشرقية

والواقع أن الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في المغرب «بوزنيقة» في أكتوبر الماضي يمثل صفقة سياسية و(مجلس الدولة) والقوى السياسية في غرب ليبيا، وينطوي على تنازلات مهمة من جانب الشرق، وهو ما جعل هذه القوة مستعدة للاصطدام بالدبيبة الذي لا يرى غير مصالحه الخاصة في التشبث بمقاليد السلطة والثروة.

وللتوضيح، كان رئيس البرلمان عقيلة صالح كان قد صرح في سبتمبر الماضي بأن هناك «بوادر اتفاق» مع مجلس الدولة على حسم القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.

ويعني هذا بوضوح تام، أولاً: أن الانتخابات البرلمانية ستجري قبل الانتخابات الرئاسية، أي أنه قد تم التنازل عن الشرط المتضمن في خارطة الطريق بإجراء الانتخابات بصورة متزامنة. ويعني ثانياً: أن «الحسم التشريعي الجديد» هو الذي سيحدد شروط ترشح رئيس الجمهورية وصلاحياته، وهذه قضية كانت محل جدل كبير بين «الشرق» الذي يريد جمهورية رئاسية و«الغرب» الذي يريد جمهورية برلمانية، ورئيساً بصلاحيات هامشية.

ويعني استخدام تعبير «الحسم التشريعي الجديد» ترك تركيبة البرلمان معلقة، فهل يكون «مجلس نواب» فحسب، كما يريد الشرق؟ أو يكون برلماناً من غرفتين «مجلس نواب ومجلس شيوخ» كما يريد «الغرب»؟

وهذه أمور تقع في صميم التنظيم السياسي للدولة وصلاحيات مؤسساتها، ولنلاحظ هنا أنه تم الامتناع حتى عن استخدام كلمة «برلمان» مع أنها تحتمل المعنين في الخطاب السياسي.

ويشير هذا كله إلى استمرار مسلسل التنازلات من جانب «الشرق» والذي كان أبرز ملامحه حتى الآن الاعتراف بحق «الفيتو» لمجلس الدولة غير المنتخب، في مساواة له بمجلس النواب المنتخب، علماً بأن مجلس الدولة قد اتخذ قراراً بالإجماع برفض ترشيح كل من مزدوجي الجنسية، والعسكريين قبل مرور سنة على استقالتهم وهو ما يعني منع حفتر من الترشح للرئاسة، بما لذلك من انعكاسات على الخريطة السياسية.

وواضح أن الصفقة السياسية المعلنة رابحة تماماً للغرب الليبي بمختلف مكوناته وسوف يوضح المسار اللاحق للمفاوضات ما إذا كان سيتم تقديم تنازلات جديدة؟ وما إذا كان سيؤدي إلى تسوية؟ فالمعروف أن مجلس الدولة الذي يهيمن عليه «الإخوان المسلمين» لديه طريقة في التفاوض تعتمد على العناد الشديد والإصرار على انتزاع التنازلات من الطرف المقابل «الشرق» وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها في انتزاع التنازلات من عقيلة صالح وفريقه، الأمر الذي يحمل على القلق من مصير هذه المفاوضات، ويجعل مستقبلها في جميع الأحوال ملفوفاً بالغموض.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4r75y6b5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"