لدى المتشائم نصف الحقيقة

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين
د. حسن مدن
قائل هذه العبارة هو المفكر برتراند راسل. هو لم يكتف بذلك فقط، وإنما أضاف ما معناه: أن نصف الحقيقة التي لدى المتشائم هو النصف الاقٌل أهمية مقارنة، بالنصف الآخر منها الذي يملكه المتفائل.
كتب راسل هذا في صيف 1961. كان العالم على وشك مواجهة نووية أمريكية – سوفييتية بسسب ما أطلق عليه يومها «أزمة الصواريخ الكوبية». كان يمكن لحماقة من زعيم إحدى الدولتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، أو من كليهما معاً أن تؤدي إلى مواجهة قد ينجم عنها نهاية الحياة على كوكب الأرض.
على مفترق الطرق الخطر ذاك، تخيّل راسل منطق المتشائمين، الذين لا يجدون غضاضة فيما لو أدت مواجهة محتملة إلى نهاية الحياة. تخيّلهم يقولون: «لماذا نبحث ولماذا نسعى للحفاظ على الجنس البشري. أليس من الأفضل أن نبتهج لدنو نهاية حمل عظيم من الشقاء والكراهية والخوف عكر صفو حياة الإنسان. أليس حرياً بنا أن نفكر بابتهاج في مستقبل جديد لكوكبنا، ونشعر بالسلام أخيراً وننام؟».
لم يستسلم راسل ومعه الكثيرون بالطبع لمنطق المتشائمين الذين يملكون النصف الأقل أهمية من الحقيقة، وانحاز إلى القسم الأهم منها الذي يتبناه المتفائلون. لأنه رأى أن الإنسان ليس لديه القدرة فقط على استعمال القسوة واحتمال الشقاء، وإنما لديه أيضاً القدرة على العظمة والمجد، وهي القدرة التي تحقق جزءاً منها فقط، إلا أنه يكشف عما يمكن أن تكون عليه الحياة في عالم أشدّ حرية وسعادة.
سبعة عقود مرت على هذا الحديث. العالم لم يصبح خلالها أفضل مما كان عليه يوم كتب راسل ما كتب، على الاٌقل في الكثير من الأوجه. الحروب لم تتوقف، ولم يتوقف غزو البلدان واحتلالها وتدميرها من قبل القوى الأقوى والأشد نفوذاً، و مازالت الحروب الأهلية تندلع في مجتمعات مختلفة، تغذيها تدخلات خارجية.
ليس هذا فقط، فالعالم يضج بالشكوى من أزمة مناخ، ستؤدي، إن لم تعالج، إلى كوارث وشيكة، وقد يموت بسببها ملايين البشر، وحكومات الدول النافذة ما زالت تتهرب من مسؤولياتها في معالجتها.
مع ذلك يمكن القول إن منطق التفاؤل لم ينهزم كلية، فالحياة ما زالت مستمرة رغم الصعوبات لكن من بوسعه أن يجزم بأن حماقات من نوع ما قد تؤدي في لحظات إلى فنائها؟
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xekaf3m

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"