محمود حسونة
1.5 درجة مئوية أصبحت هي الهدف والأمل، هي المنقذ للكوكب من مخاطر الاحترار المناخي والانبعاثات الكربونية التي ترفع من حدة غضب الطبيعة، وتتسبب في كوارث تقتل البشر والكائنات الحية، وتزحزح الجبال، وترفع مناسيب البحار وتلتهم الدول الجزرية، وتغرق المدن الساحلية، وتثير البراكين وتسرّع العواصف وتزلزل طبقات الأرض وتشعل الحرائق في الغابات، وتهدّد مستقبل الكوكب وتقضي على فرص الحياة الآمنة أمام الأجيال المقبلة، ليتغير الموروث الذي تتركه أجيالنا للقادمين بعدنا، من حضارات وعلم واختراعات مثلما ترك لنا الأجداد، إلى تلوث ودمار وكوارث.
1.5 درجة مئوية، الرقم الذي تردّد خلال السنوات الماضية على لسان خبراء المناخ، وأصبح الهمّ الأكبر لدى القادة الجادين في البحث عن حل للتغير المناخي والمشاكل الناجمة عنه، وأصبح هاجساً لدى الجميع، وهو الرقم الذي توافقت دول العالم التي شاركت في مؤتمر باريس للمناخ أن تجاوزه ستكون عواقبه كارثية على الكوكب.
فبعد الثورة الصناعية وانتشار استخدام الوقود الأحفوري، ارتفعت درجة حرارة الأرض، ويقال إنها زادت بمقدار 1.1 درجة مئوية على مستويات ما قبل الصناعة. وكي لا نصل إلى وضع كارثي، لا بد من كبح ارتفاعها عند 1.5 درجة مئوية، ومنع استخدام الوقود الأحفوري والسيطرة على مصادر الانبعاثات الكربونية حتى يصل العالم في المستقبل إلى تصفير هذه الزيادة، والعودة بدرجة الحرارة إلى ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، وهو ما سيستغرق عقوداً، ولكنه لن يتحقق إلا إذا كانت البداية من اليوم للسيطرة على مصادر التلوث المناخي، وعدم التأجيل.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن المناخ في شرم الشيخ، لم تخلُ كلمة ألقاها رئيس أو وزير أو خبير أو ناشط من رقم 1.5، ليصبح هذا الرقم هو الأمل الذي يمكن أن يجمع العالم حال توافرت الإرادة الدولية للبحث عن حلول للأزمات المناخية، كما أنه يمكن أن يصبح الخطر الذي يهدّد ويفرق العالم، في حال تحكمت الأنانية في القرار، وتخلى المتسببون عن تحمل مسؤولياتهم تجاه الآخرين، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الصراعات والأزمات، ويزيد الفجوة بين الدول الصناعية التي تسببت في التغير المناخي والدول التي دفع أبناؤها الثمن تشرداً وهروباً من الزلازل، وغرقاً في الفيضانات وموتاً جراء الحرائق، وجوعاً بعد أن قضت الحرارة المرتفعة والبرد على محاصيل زراعية، وانعكست تصحراً في مساحات خضراء حول العالم.
العدالة المناخية هي المطلب، ولن تتحقق سوى بأن تتحمل كل دولة مسؤوليات أفعالها وتدفع فاتورة خطاياها، والبداية الحقيقية لتحقيق ذلك هي بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار المناخية، ولعله الإنجاز الأهم في مؤتمر شرم الشيخ للمناخ، والخلاف حوله بين الدول الغنية والدول النامية والأقل نمواً، هو الذي فرض على رئاسة المؤتمر تمديد انعقاده يوماً إضافياً، كان اليوم الأصعب في المؤتمرات الدولية، حيث تضاعف المجهود حتى تلتقي الدول المسببة للتغير المناخي والدول المأزومة منه على كلمة سواء، ثم تكلل بالنجاح بعد أن وافق الكبار على تحمل مسؤولياتهم وعلى إنشاء الصندوق، وهو ما يعد بمثابة اعتراف من الصناعيين بأنهم المسبب الرئيسي للاحترار والتغير المناخي، وبمثابة تعهد منهم على تحمل مسؤولياتهم في هذا الصدد، وبمثابة تأكيد أن العالم يمكنه أن يتفق ويتلاقى ويتكافل لأجل غد أفضل للجميع.
العالم التقى في شرم الشيخ، وبالحوار استطاع أن يتفق، وبالدبلوماسية تعهدت دول الكوكب أن تتوحد في مواجهة الخطر، وأن تخوض الحرب الأشرس دفاعاً عن الوجود البشري، وحماية لمستقبل الأولاد والأحفاد وأحفاد الأحفاد.
مبدأ العدالة المناخية يمكن أن يتحقق، ولعل صندوق تعويض الخسائر والأضرار هو البداية، وبعد أن انتهى مؤتمر شرم الشيخ بدأ العالم يتطلع ويستعد للمؤتمر المقبل في الإمارات، والكل يحمل بداخله أملاً ويقيناً أن الإمارات تستطيع أن تكرّس ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات السبعة والعشرين، وتضيف من خلال «كوب 28» ما يزيد مساحة الأمل عند مليارات الكوكب الثمانية، وما يجعل من الرقم 1.5 حداً لا يمكن تجاوزه، وما يؤكد أن الأهم تحطيم هذا الرقم لاحقاً، وتصفير الزيادة في درجة الحرارة، والعودة بكوكبنا نقياً من الملوثات، مضيئاً بالطاقة الجديدة والمتجددة الخالية من أي انبعاثات كربونية.