الفن والهوية

22:46 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

يخبرنا الفن بطرق عديدة عن شعب أو أمة، وتعكس الأعمال الفنية سعي أصحابها لتحقيق التوازن بين أحلامهم وبين انعكاس واقع الحياة حولهم باستخدام العديد من المواد المستمدة من البيئة. ويستخدم الفن لتوضيح الهوية الشخصية والثقافية للفنانين الذين ينظرون إلى العالم من عدسات ذاكرتهم، ويسلطون الضوء بفنهم على التأثيرات الثقافية والأحداث التاريخية والقيم، واستمرار أو تغيير تقاليد معينة.

ويستخدم الناس الفن للتعبير عن فردية الفنان، وأيضاً للتواصل مع الآخرين في الثقافة والتعبير عن هوية مشتركة، كما يمكننا من التعريف عن هويتنا كأشخاص نرغب في لفت النظر إلى منجزات أسلافنا ومَن ألهمونا الطريقة التي نتحدث بها ونشعر وننظر إلى العالم من حولنا.

والفن الذي كان دائماً ولا يزال انعكاساً للمجتمع والثقافة يساعدنا على فهم ما نحن عليه كبشر وكيفية ارتباطنا ببعضنا، والتعبير عن انتمائنا إلى أرض ومكان لنا فيه ماضٍ وذكريات نرغب بإحيائها بطرق ووسائل أكثر جمالاً وقرباً من المشاعر، كما يأخذ الفنان الآخرين وبنظرة واحدة على أعماله في رحلة سريعة إلى وطنه.

وللوطن مكان خاص في قلوبنا ويستحوذ على أفكارنا ومشاعرنا، ويشكل بوجوده ذاكرتنا وتفاصيل حياتنا، ويُلهم الفنانين استحضاره ونقله من أعماقهم إلى اللوحات؛ ليراه الجميع بالطريقة التي ينظر فيها الفنان إليه، فالفن التشكيلي يستخرج الوطن من ذاكرة التاريخ وحافظة الماضي ليمزجه في الواقع المعاصر، ويصنع منه لوحة تعزز الهوية الوطنية وترسخها.

واستخدم التشكيليون الإماراتيون فنهم كغيرهم للتواصل مع الآخرين والتعبير عن هوية إماراتية خاصة تتجسد عبر كثير من المواد والمصادر المستمدة من عناصر البيئة الثرية وتفاصيلها وأشكالها، وتغترف من ذكريات المكان وجذور الماضي العريق أكثر مما يمكن تخيله من تفاصيل وحكايات.

ويستطيع الناظر إلى هذه اللوحات والمتفرج على المنحوتات أن يرى وبوضوح انعكاس صورة الوطن وأن يقرأ فيها ما يعبّر عن ثقافة أرض غنية بالقيم والمبادئ وعلاقة متجذرة بين الأجيال تربط الحاضر بالماضي، وتستمد من ذكرياته إلهام الريشة والألوان، فالوطن ماثل في جميع التجارب الفنية الإماراتية على اختلاف أنواعها، وعناصره هي الأكثر تداولاً ورسوخاً في عقول وإبداعات الفنانين من إماراتيين ومقيمين يجدون على أرضه ما يحفز الإلهام، ويدفعهم لتصويره في لوحاتهم.

ومن سعف النخيل والصحراء والرمال ودلة القهوة والإبل والقوارب والبحر واللآلئ والمحار والزينة التراثية ونقوش الحناء وكل ما يميز البيئة الإماراتية والبحر جسّد كل فنان حكايته التي استمدّها من حب الوطن وتفاصيل مدنه وأسواقه ومشاهده وتراثه وتطورات الحياة فيه، رغم انتقاله المستمر نحو المستقبل متمسكاً بجماليات تراثه الزاخر، بجماليات يصعب التخلي عنها، فهي تميزه وتبقي الفنانين ضمن دائرة تراث بديع لن تتمكن تفاصيل التطور والمعاصرة من إزاحته عن مكانته لديهم.

ورغم أن لكل فنان إماراتي ما يميزه، فإنهم يستمدّون عناصرهم ومواضيع لوحاتهم من مكان وذاكرة وتراث واحد صاغها كل منهم بعناية، وحوّلها بإتقان إلى بصمة تميزه عن غيره، وإن كان الوطن هو ما يجمعهم ويتجسد بانعكاساته في جميع لوحاتهم، فالبعض مفتون بعناصر الزينة الإنسانية وألوانها المبهجة وتفاصيل الأسواق الزاخرة بالحياة والمتدفقة بحيوية مستوحاة من أزياء النساء في الماضي وتطريزاتها الجميلة، وغيرهم يتقن صياغة لوحاته بعمارة البراجيل وتصور الحكايات من نوافذه التقليدية التي تعبر عن البدايات وقدرة الإنسان على تعمير الصحراء وإتقان البناء وتفاصيله.

وفي حين أن بعض الأعمال الفنية هي انعكاس للوضع الراهن، لكن الأجمل تلك التي تحتفي بتاريخ الإمارات وتراثها كجزء أساسي من رحلة الفنان وإبداعه، وما يفتح له آفاقاً جديدة في كل مرة يستلهمه فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2h2pe3p3

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"