عادي
حقبة جديدة باتجاهات ومسؤوليات تجمع الميدان

المهارات والجودة والتقييم.. ركائز تطوير التعليم الوطني

00:03 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

«بدأت بنفسي تجربة واقعية، بإرسال أبنائي للالتحاق بمدرسة حكومية، وسأتابع تطورهم، ما لا أقبله في تعليم أبنائي لن نقبله لأبناء شعب الإمارات»، كلمات مأثورة لسموّ الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، تجسّد ملامح تطوير التعليم الوطني في المرحلة المقبلة، وقياس جودة المخرجات سيبدأ من عند القيادة، لتعزيز تنافسية الإمارات في المجالات كافة، بسواعد جيل واعٍ متسلح بالمعارف والمهارات المتقدمة.

في وقت بدأت رحلة التحول فعلياً في القطاع، والعمل قائم على قدم وساق، لتنفيذ 30 برنامجاً ومشروعاً ضمن 6 مسارات طموحة، تشمل: إعادة تطوير المناهج الوطنية، وتوسيع نطاق المدارس الحكومية، وإطلاق مدارس تجريبية، وتحفيز المعلمين، واستحداث مسارات داعمة لتطوير كفاءاتهم، وزيادة معدلات التحاق الأطفال برياض الأطفال، وتطوير أطر مرنة للجامعات.

الصورة
1

الميدان التربوي بقياداته ومختلف كوادره، في مهمة وطنية جديدة، لترجمة توجيهات وتطلعات القيادة الرشيدة، والتركيز على التعليم القائم على المهارات والعلوم المتقدمة في مسيرة بناء الأجيال، وإعادة تشكيل سمات المخرجات، لتواكب اتجاهات المستقبل.

ويرى خبراء وعدد من التربويين أن الإمارات تخطو نحو حقبة جديدة من التطوير في قطاع التعليم، تستند في مضمونها إلى المهارات في تعليم الطلبة، وتحقيق جودة المخرجات، وإجراء التقييم في إطار حيادي شفاف، يجسّد الواقع، ويقف على مراكز القوة، والنقاط التي تحتاج إلى تحسين فعلي، مع التركيز على الارتقاء بالمعلم مهنياً ومهارياً، وفق اتجاهات ومسؤوليات تجمع فئات الميدان التربوي.

«الخليج» تقف مع خبراء وتربويين، لمناقشة ملامح التطوير في القطاع الذي يحتضن 1404 مدارس حكومية وخاصة في مختلف إمارات الدولة، يتعلم فيها ما يقرب من مليون و346 ألف طالب وطالبة من 200 دولة، من خلال 23 منهجاً دراسياً.

مشاهدات «الخليج»

البداية كانت مع مشاهدات «الخليج» لهيكل منظومة التعليم في الوقت الراهن؛ إذ يعد مجلس التعليم والموارد البشرية برئاسة سموّ الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الجهة السيادية التي تشرف على مشروع مستقبل التعليم في الدولة، بما يواكب التطلعات، ويرسخ الهوية الوطنية، ويضمن مخرجات تعليمية ذات جودة عالية، لتواكب مسارات التنمية في المستقبل.

وتعمل وزارة التربية والتعليم بقيادة الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير التربية والتعليم، تحت مظلة المجلس، لتركز على مهام الخطط والتنظيم، وصياغة السياسات والتشريعات، وإصدار التراخيص المؤسسية المهنية، وضمان الجودة والرقابة على المدارس، وبناء استراتيجيات التعليم بأنواعه على مستوى الدولة.

صلاحيات متفردة

وتأتي مؤسسة الإمارات للتعليم برئاسة سارة الأميري وزيرة دولة للتعليم العام والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة، لتعمل بصلاحيات متفردة ومستقلة، للنهوض بالتعليم الحكومي الاتحادي، والتوسع في قدراته، وتعزيز كفاءته ومخرجاته، وفق المتغيرات والمستجدات المستقبلية.

ويتركز دور الوكالة الاتحادية للتعليم المبكر برئاسة الوزيرة سارة المسلم تحت إشراف المجلس، على وضع وتنفيذ خطط شمولية، للاهتمام بالطفل منذ ولادته وحتى الصف الرابع، لضمان تأسيس الطلبة بشكل مميز منذ الطفولة المبكرة.

وتبقى مدارس التعليم الخاص، في أبوظبي تحت مظلة دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، وتشرف هيئة المعرفة والتنمية البشرية على مدارس دبي الخاصة، وهيئة الشارقة للتعليم الخاص لمدارس الشارقة، وتظل مدارس عجمان وأم القيوين والفجيرة تحت مظلة وزارة التربية والتعليم إلى جانب مسؤوليات التعليم العالي والتخطيط الاستراتيجي للتعليم.

وتهتم الوكالة الاتحادية لجودة التعليم، التابعة لمجلس الوزراء، بإجراء تقييمات مستمرة عن واقع التعليم بحيادية وشفافية، ووضع معايير ومستهدفات واضحة لمخرجات التعليم، وقياس مدى نجاح المنظومة.

أطر التطوير

تطوير المناهج كانت أولى محطات أطر تطوير التعليم في المرحلة المقبلة؛ إذ يرى الخبير التعليمي ماثيو سميث رئيس كلية الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية والمجتمع بدبي، أن المناهج الإثرائية باتت غير مؤثرة، ولا تواكب التطورات، ولا تلبي الاحتياجات المستقبلية للمخرجات، وقد تكون سبباً أساسياً في وجود فجوة المهارات لدى المتعلمين، وهنا تأتي أهمية تطوير المناهج وفق المستجدات، وبحسب المهارات السائدة والمطلوبة في كل مرحلة.

وأكد أهمية إدراك مؤسسات التعليم للمتغيرات المستقبلية القادمة؛ إذ إنها مطالبة بإعداد مناهج تعكس الاحتياجات الراهنة والمستقبلية، وتركز على مهارات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والميتافيرس، فضلاً عن المهارات الاجتماعية؛ إذ إن هناك حاجة متزايدة لإعادة مهارات الخريجين الذين أنهوا تعليمهم الرسمي منذ عقود، وصقل مهاراتهم من جديد، وهذا يعد امتداداً لدور المدارس والجامعات في المستقبل.

وشدد على أهمية التطوير المستدام لنظام التعليم، نظراً للتطورات والمتغيرات المتسارعة لتوفير فرص التعلم مدى الحياة، على أن يعي التعليم الخاص مسؤوليته القادمة، لتلبية احتياجات المهارات الأكثر تخصصاً للقوى العاملة، مع الوضع في الاعتبار الواقع المعزز الذي يسهم في إعادة تشكيل اكتساب المعرفة، والتفاعل رقمياً مع البيئة المادية، لا سيما أن تقنية الميتافيرس باتت تمثل المنصة الرئيسية لتطوير سمات المخرجات.

تحفيز المعلمين

وفي وقفتها مع أهمية تحفيز المعلمين وتطويرهم مهنياً ومهارياً، أكدت الخبيرة التربوية آمنة المازمي، أن الكوادر التدريسية في الدولة، تتمتع بخبرات وقدرات، تمكنهم من أداء رسالتهم في ظل أي نمط تعليمي بتطوراته ومتغيراته، موضحة أن أي تغير أو تطوير يطرأ على العملية التعليمية، تصاحبه دائماً أدوار جديدة للمعلمين، بوصفهم ركيزة أساسية للمنظومة، ومع تفعيل اتجاهات العلوم المتقدمة ومهاراتها، ظهرت الحاجة إلى الارتقاء بمستوى المعلمين مهنياً ومهارياً، وفق أدوارهم الجديدة، لتمكينهم من التعاطي مع المستجدات.

وأفادت أن التعليم العالمي لم يدع مجالاً لمواصلة المسيرة وأداء الرسالة إلا للمعلم المتميز صاحب المهارات والقدرات المتنوعة التي تتسم بالمرونة وسرعة الإنجاز، لا سيما أن مهامه دقيقة ومؤثرة وتحتاج إلى خبرات نوعية تعينه على بناء أجيال المستقبل، وهنا ينبغي أن تكون الحقائب التدريبية هادفة، تشكل قيمة مضافة لتطوير المعلم مهنياً.

أما عن مسارات التحفيز، فأكدت أنها مهمة لجميع الكوادر في الميدان التربوي؛ إذ تعد وسيلة فاعلة لتشجيع المعلمين على القيام بأدوارهم بحماسة وكفاءة، تنعكس في مضمونها على بناء الأجيال، وتأهيلهم للمستقبل، فضلاً عن أن المحفزات تؤدي دوراً كبيراً في استقطاب كوادر جديدة، للعمل في مجال التعليم، مع المحافظة على تطوير كفاءتهم وتمكينهم مهنياً ومهارياً.

التعليم الحكومي يتألق

من جانبه، أكد الخبير الدكتور وافي الحاج أن التعليم الحكومي يتألق، والمدارس الحكومية أثبتت قدرتها على تطبيق أنواع متعددة للتعليم، فضلاً عن الجاهزية وجودة إدارة المنظومة التعليمية بحكمة واقتدار، مع غياب تام للإشكاليات المعتادة في العملية التعليمية التي نراها في «الخاص»، فضلاً عن جودة المخرجات، وتصدرها قوائم الأوائل خلال السنوات السابقة، مما أسهم في وجود تغيرات كبيرة في رغبات أولياء الأمور، لإلحاق أبنائهم بالتعليم الحكومي.

وفي تعليقه على أهمية التوسع في أعداد المدارس الحكومية، أفاد بأنها خطوة مهمة، لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تتوافد عليها للتسجيل سنوياً سواء على مستوى المواطنين أو المقيمين، مؤكداً أن الاتجاه نحو المدارس التجريبية، يعد مساراً مؤثراً في تنوع المخرجات، ومدارس الأجيال تعد إضافة لمنظومة التعليم الوطني، وتمثل أحد النماذج المطورة في بناء الأجيال؛ إذ تجمع المعارف والعلوم الوطنية بصبغة عالمية، موضحاً أنها خطوة جادة، لتمكين التعليم الحكومي، والارتقاء بجودة المخرجات وفق احتياجات ومتغيرات المستقبل.

وأوضح أن احتياجات المستقبل تتطلب فكراً جديداً، يحقق التنوع في المدارس والمناهج وكفاءة المعلمين فيها، للوصول إلى منتج تعليمي قادر على مجابهة التحديات، ومواكبة المتغيرات والتطورات التي نراها يوماً تلو الآخر في قطاع التعليم، وهذه مهمة غاية في الصعوبة، وتتطلب نظرة ثاقبة ووعياً عند قراءة المشهد التعليمي إقليمياً وعالمياً.

بناء الإنسان

وأكدت المستشارة أميمة حسين أهمية الطفولة المبكرة التي تعد أهم مراحل بناء الإنسان؛ إذ إن سنوات عمر الطفل الأولى، تعد بيئة مؤثرة، لتنمية النواحي الاجتماعية، النفسية، العقلية، اللغوية لدى الطفل، بحسب الدراسات والأبحاث العلمية، مشيرة إلى أن رؤية الإمارات 2071 تركز على أهمية منح الأطفال أفضل رعاية وتعليم في تعليم الطفولة المبكرة، لتمكينهم من تحقيق أقصى طاقاتهم.

وأفادت بأن للطفل خلايا عصبية تقترب من ال100 مليار خلية عصبية، تسهم في تحديد سماته الشخصية، وأنماط تفكيره، ولكن تتناقص تلك الخلايا تدريجياً مع تقدم عمر الطفل عاماً تلو الآخر، وهنا تكمن أهمية التعليم المبكر الذي يسهم في تحقيق نطاق كبير من التشابكات العصبية لعدد أكبر من تلك الخلايا، لينعكس إيجابياً على عمليات التعليم والتعلم.

الاستثمار الأكبر

وقالت: إن الاستثمار في أبناء هذه المرحلة، يعد الأكبر في قطاع التعليم؛ إذ يحمل انعكاسات إيجابية اقتصادياً واجتماعياً على الطفل في المستقبل القريب، مشيرة إلى أهمية تأهيل معلمي ومرشدي هذه المرحلة، بقدر كافٍ يمكنهم من تطوير مواهب الأطفال وتطويرها، والارتقاء بها وفق أسس علمية ومنهجية مدروسة، لا سيما أن الخبرات التي يكتسبها الطفل خلال تلك المرحلة، مؤثرة للغاية في حياته في المستقبل. وقالت: إن ركائز التطوير تستند في الأغلب إلى تطوير المناهج، لرفع أداء الطلبة، بما يواكب المستجدات العالمية في التعليم، وتطوير المعلمين والارتقاء بأدائهم المهني والمهاري، وتوظيف مصادر التعلم الحديثة، فضلاً عن توفير بيئة جاذبة آمنة، نستطيع من خلالها ترجمة الواقع المعرفي للمتعلمين.

مزيج من المهارات

إحصاءات دراسات حديثة جعلت من التطوير في منظومة التعليم ضرورة مُلحة؛ إذ إن 75 مليون وظيفة في 20 اقتصاداً رئيسياً تم الاستعاضة عنها بالتقنيات الناشئة العام الجاري، وهناك 133 مليون وظيفة جديدة من خلال تطورات التكنولوجيا المشهودة، وهناك مزيج من المهارات التي ينبغي أن يمتلكها طلبة اليوم، استعداداً لسوق العمل المستقبلي.

وتستهدف أطر التطوير في منظومة التعليم بالإمارات، المجتمع التعليمي بمختلف فئاته من المعلمين والقيادات المدرسية، وأولياء الأمور والطلبة والشباب، والعاملين في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص؛ إذ جعلت الجميع لاعباً أساسياً في عملية تشكيل مستقبل التعليم في الدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y5dh22v5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"