عادي

الرياضة تهزم السياسة

12:14 مساء
قراءة 3 دقائق

بغداد: زيدان الربيعي

حظيت مباراة المنتخبين الأمريكي والإيراني التي جرت، مساء الثلاثاء، ضمن مونديال قطر وانتهت بفوز الأول بهدف واحد دون رد، باهتمام واسع جداً من قبل غالبية متابعي مباريات المونديال نتيجة للخلاف السياسي المتجذر بين البلدين، بحيث توقع البعض أن تكون المباراة عبارة عن معركة شرسة داخل الميدان، وستشهد الكثير من الصراعات والنزاعات بين اللاعبين، وسيرفع حكم المباراة البطاقة الحمراء بوجه لاعبي المنتخبين لمرات عدة، وستمتد الصراعات أيضاً إلى مصطبة الاحتياط، ومن ثم تصل إلى مدرجات الجماهير.

لكن الذي حدث كان عكس ذلك تماماً، إذ سادت الروح الرياضية العالية بين اللاعبين ولم تحصل ألعاب خشنة متعمدة ضد بعضهم، وعند نهاية المباراة قام اللاعبون الأمريكيون بتطييب خواطر اللاعبين الإيرانيين بروح رياضية عالية جداً، في حين قدّم اللاعبون الإيرانيون التهنئة إلى منافسيهم الأمريكيين، لتنقل هذه المباراة رسالة عظيمة جداً للعالم بأسره بأن الرياضة تستطيع إصلاح الخراب الذي تسببه السياسة المتطرفة، كذلك فإن الرياضة لها القدرة والإمكانية والنفوذ في جعل المتخاصمين «سياسياً» يتبارون في ساحات الرياضة الرحبة ومن دون أحقاد أو تصفية حسابات سياسية، بل يكون تنافس الرياضيين شريفاً ونزيهاً ويخضع لسلطة حكم المباراة الذي يحترم قراره من قبل المتنافسين داخل ميدان الرياضة، وهذا الاحترام لا نجده من قبل بعض السياسيين لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكذلك إلى دعوات المنظمات الإنسانية، وكذلك منظمة حقوق الإنسان، حيث يحترم الرياضيون قرار الحكام ويقومون بتنفيذها بشكل فوري، بينما لا يفعل ذلك السياسيون!

لقد قدّمت مباراة المنتخبين الأمريكي والإيراني درساً بليغاً إلى السياسيين وإلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وهذا الدرس يتمثل في أن ساحات الرياضة الرحبة لها القدرة على احتواء الخلافات السياسية بين الدول وتذويبها، وبالتالي على الساسة أن يتعلموا جيداً من دروس الرياضة من أجل أن يعم السلام في الأرض ويعيش الناس بأمن وسلام ومحبة وتبادل للمصالح المشتركة.

وهنا أستعين بالكلمات التي كتبها الصحفي العراقي نزيه الركابي، حيث يقول: مباراة رياضية بدأت وانتهت بلا مناكفات، ولا طبول قرعت، هناك من سوقها حرباً بالعتاد والبنادق.. ستنتهي والجنائزُ تصطف!، لتظهر لنا مباراة تنافسية جميلة، انتهت بسلام.. كل منهما دافع عن بلاده حتى النهاية.. ومَن كان ينتظر صوراً دامية، لم يجنِ إلا الحسرات، إنها كأس العالم لكرة القدم.. لا كأس العالم لسياسات الدول.

وبالعودة إلى مجريات المباراة أستطيع التأكيد، أن المباراة وبرغم حساسيتها الكبيرة كانت مثالية ونظيفة جداً، إلا من بعض الحالات القليلة، وقد استطاع المنتخب الأمريكي الذي ظهر في هذه البطولة بشكل مختلف تماماً عن ظهوره في البطولات السابقة، أن يقدم لمحات جيدة فيها متعة وإثارة كبيرة ولمسات فنية رائعة في بعض الأحيان لا يستطيع تقديمها إلا اللاعبون البرازيليون، وقد ساعده مستواه في تسيير المباراة إلى صالحه حتى النهاية، وبالمقابل لم يكن تعامل المنتخب الإيراني مع المباراة بشكل صحيح لاسيما في الشوط الأول الذي لم يشهد أي تسديدة من قبل اللاعبين الإيرانيين نحو المرمى الأمريكي، إذ أراد مدرب المنتخب الإيراني كيروش أن يتلافى مسألة استفزاز اللاعبين الأمريكيين من خلال تهدئة اللعب وحصره في ساحته، وكأنه قد ضمن نتيجة المباراة سلفاً، لأن التعادل كان كافياً لترشح المنتخب الإيراني إلى الدور التالي، وهنا ارتكب خطئاً كبيراً دفع ثمنه الباهظ جداً المنتخب الإيراني وأنصاره عبر توديعهم لمنافسات وأجواء المونديال الجميلة. حيث أثبتت دقائق الشوط الثاني ولاسيما الثلث الأخير منها قدرة المنتخب الإيراني على مجاراة المنتخب الأمريكي وفرض أسلوبه عليه، لكن فلسفة كيروش كان لها رأي آخر في الشوط الأول، وهذه الفلسفة دائماً ما يعتمدها المدربون الكبار الذين يقودون منتخبات غير مرشحة للظفر بلقب المونديال، لأنهم يريدون الخروج بأقل الخسائر، وهنا الأمثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها.

في النهاية أستطيع التأكيد أن المنتخب الأمريكي فاز بالمباراة لعباً ونتيجة وأخلاقاً، كما فاز المنتخب الإيراني على السياسة ودهاليزها المظلمة وهزمها شر هزيمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4txjjua3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"