الشارقة في المكسيك

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

راقت لي حكاية من المكسيك، أتيت على ذكرها في كتاب «ترميم الذاكرة»، تقول إنّه كان هناك نسر كبير عاش منذ زمن بعيد، حطّ في إحدى المناطق، نشر جناحيه فلم يسعه المكان، فقال إنّ شعباً صغيراً ليس جديراً به. انطلق النّسر من جديد في الفضاء متّجهاً نحو منطقة (مكسيكو) حيث كان هناك نبات من الصّبار وسط بحيرة كبيرة، مدّ جناحيه فامتدّا في هذا المكان وكان بإمكانه أنْ يستدير بجناحيه في مختلف الاتّجاهات.
وعندما شاهد النّاس القاطنون في هذه المنطقة النّسر أصابهم الانشداد والذّهول، فصاروا يتساءلون: كيف وصل هذا النّسر إلى هنا؟ إذْ لم يسبق لهم أنْ رأوا نسراً في هذا الحجم، التفّ النّاس حول النّسر، وقرّروا بعد تداول أنّه طالما كان النّسر قد حطّ هنا، فإنّ هذه أرض أُعدّت لشعب عظيم. وفعلاً انطلق النّاس تيمّناً بمقدم النّسر الكبير، فبدأوا في بناء بيوتهم؛ لأنّ ذلك ما أوحى لهم به قدومه. وشيئاً فشيئاً توسّع المكان وزرع فيه النّاس كثيراً من نبات السعد في جميع الجهات. وأهالوا على ذلك مزيداً من التّراب، وصار النّاس الذين جاءوا فيما بعد يقومون بما قام به من سبقهم.
هي أسطورة فحسب، فما من نسرٍ كذاك حلّ على أرض المكسيك يوم كانت قفراً، وكل الشعوب قابلة لأن تكون عظيمة إن توفرت لها الإرادة، وكل الأوطان في أعين أهلها جميلة، ولكل شعب أسطورته الخاصة عن نفسه، ولكن ليس غريباً على المكسيك البلد البعيد عنا جداً، والمعروف بغناه الثقافي والحضاري وتنوع ينابيع ثقافته وفنونه في الموسيقى والتشكيل والأدب، والفن، عامة، على أنواعه، أن يملك أسطورة بهذا الجمال عن نفسه وعن بلده.
وفي المكسيك هذه تحلّ الشارقة ضيفاً على معرضها للكتاب، ولكي ندرك مغزى هذه الخطوة علينا تخيّل المسافة الطويلة التي تفصل بين الإمارات والمكسيك، لنقيس الصيت الذي بلغه المشروع الثقافي للشارقة عالمياً، وفي هذا رسالة عمّا يمكن للثقافة أن تفعله في تقريب المسافات بين الشعوب، وفي تلاقيها الحضاري، لنكتشف أن القيم الإنسانية العليا التي تجمع البشر واحدة، إن أحسنّا الإصغاء لها.
الشارقة بما حققته من إنجازات ثقافية كبيرة، جديرة بأن تحمل إلى المكسيك صوت الإمارات والعرب، وإليها، وإلى العالم، توصل رسالتنا الثقافية إلى الآخر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3c2zhs

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"