عادي

المطرقة التركية والسندان الكردي

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق

كتب -المحرر السياسي:

من الواضح أن القرارات الاستراتيجية على صعيد دول المنطقة تحتاج إلى الكثير من الحنكة السياسية، مثلما تفرض على صناع القرار التحلي بالصبر، لأن الخطوة التالية بعد اتخاذ القرار ستكون محكومة بعوامل خارج سيطرتهم.

لعل تعدد المرات التي أعلنت فيها تركيا عن شن عملية برية في شمال سوريا للقضاء على ما تعتبره أنقرة حركات إرهابية تهدد أمنها القومي، يقدم المثال الصريح على صحة هذه المقولة. ذلك أن تشابك المصالح وتناقض المواقف وتضارب سياسات الدول الفاعلة، لا يزيد من تعقيدات الحسابات فحسب، بل قد يورط صانع القرار في مواجهة غير محسوبة مع الفرقاء، سواء من اتفق معه، أو من اختلف.

دور «قسد»

من المؤكد أن مصالح الدول الثلاث التي تشكل ما يعرف باسم مجموعة الدول الضامنة التي تنسق سياساتها من خلال «أستانا»، وهي روسيا وتركيا وإيران، تلتقي في نقطة عدم الارتياح للتطور غير الطبيعي الذي طرأ على بعض القوى في الشمال السوري، خاصة قوات سورية الديمقراطية «قسد» التي نفخت فيها الولايات المتحدة روح العداء لتنظيم «داعش» ومنحتها الفضل في القضاء على فلوله، بينما تدرك الدول الثلاث، ومعها الحكومة السورية، أن الأهداف الخفية وراء تضخيم دور «قسد»، هي لاستخدام ميليشياتها في تحقيق مآرب غربية وسط بيئة شديدة الحساسية والتعقيد.

ولكي تضمن أنقرة مرور العملية العسكرية من دون متاعب، لا بد من ضمان غضّ الطرف من إيران. فبينما يبدو أحياناً أن إيران وتركيا على طرفي نزاع في المنطقة، إلا أنهما تلتقيان حول بعض المصالح المشتركة. فكلتاهما تعارض سياسة الولايات المتحدة ووجودها في العراق وسوريا، وتتعاون مع روسيا من خلال «أستانا» في سوريا، من أجل إنهاء الحرب.

ولطالما قالت أنقرة إن حزب العمال الكردستاني يقف وراء الهجمات من أجل تبرير تحركاتها العسكرية داخل الأراضي السورية. وقد نفذت تركيا هذه السياسة على مدى السنوات الماضية، حيث شن الجيش التركي أربع عمليات واسعة النطاق في شمال سوريا منذ عام 2016، ودخل عفرين في عام 2018 وكانت آخر تلك العمليات عام 2020. وقد استخدمت تركيا الجماعات المتمردة السورية في محاربة الأكراد. ثم أعادت إعمار المنطقة بالسوريين، ورتبت التركيبة السكانية بالطريقة التي يرضيها، على غرار ما حدث في البلقان في التسعينات.

وتشمل الاستراتيجية التركية تطبيق الإجراءات نفسها على مدن أخرى، مثل عين العرب،«كوباني»، والقامشلي. وتريد تركيا أن تكون هناك «منطقة آمنة»، بإنشاء حزام من الكيانات المؤيد لأنقرة على طول الحدود.

واللافت على صعيد التحركات الأخيرة، أن القوات الأمريكية في شرقي سوريا لم توقف قصف أنقرة للقوات الكردية، حتى عندما شنت تركيا غارات جوية على مناطق قريبة من القوات الأمريكية. وربما فرضت المستجدات تغييراً ما، في الموقف الأمريكي من حيث النظر إلى أهمية الأكراد في المرحلة الحالية، وهو ما عبرت عنه تصريحات مظلوم عبدي زعيم «قسد»، التي أشار فيها إلى تغيير في الدعم الأمريكي للحركة. ومثل هذا التحول في الموقف الأمريكي في حال تأكيده، قد يعني الاستغناء عن حليف مهم على الأراضي السورية، في الوقت الذي تتغير خرائط القوة الاستراتيجية نتيجة المواجهة في أوكرانيا.

وقال سونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الولايات المتحدة قد تكون هذه المرة أكثر تساهلاً مع عملية برية تركية. إلا أن ذلك لم يمنع واشنطن من التحذير من أن عملية عسكرية تركية في سوريا تهدد بشكل مباشر سلامة القوات الأمريكية هناك.

دور تركيا الإيجابي

وفي ما يتعلق بالموقف الروسي حيث حذرت موسكو تركيا من أن هجوماً برياً واسع النطاق قد يؤدي إلى تصعيد العنف، فإن أنقرة تعي متانة التحالف بين موسكو ودمشق، وحرص روسيا على الحفاظ على مصالحها في المنطقة انطلاقاً من وجودها في سوريا. إلا أن انشغالها في الحرب الأوكرانية ودور تركيا الإيجابي عموماً، في هذه الأزمة الذي عكسه رفض أنقرة إدانة الحرب والمشاركة في العقوبات الغربية على موسكو، فضلاً عن سعيها المستمر لتسهيل الحل السلمي وتنظيمها اتفاقية نقل الحبوب وتصدير الغاز الروسي عبر أراضيها، قد يمنحها ورقة إضافية في إدارة علاقتها مع موسكو من خلال تسويات «أستانا»، خاصة أن روسيا حاولت دفع الأكراد للتنسيق مع الحكومة السورية وبسط سيطرة الأخيرة على الشمال السوري. وقد تجد موسكو في العملية التركية، في حال التوافق مع أنقرة عليها، فرصة لبسط الحكومة السورية سيطرتها على المنطقة، في إطار مساعي موسكو للتوفيق بين أنقرة ودمشق، وهو ما تنم عنه تصريحات الرئيس أردوغان في أكثر من مناسبة عن استعداده للقاء الرئيس بشار الأسد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr42ed45

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"