لقاء مع المقالح

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

مرة واحدة فقط هي التي قدّر لي فيها أن التقي عبد العزيز المقالح. حدث ذلك في القاهرة في عام 1975، معيّة الصديق الراحل الكاتب خالد البسام، الذي كان له الفضل في ترتيب اللقاء. كنا في سنتنا الجامعية الأولى وقتها، ودون العشرين سنة من العمر، فيما كان هو في الثامنة والثلاثين من عمره، حكماً من أنه من مواليد عام 1937، وكان يومها يحضّر لنيل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس.
 اللقاء تمّ في الشقة التي كان يقيم فيها، ورغم فارق العمر بيننا، أنا وخالد، وبينه إلا أننا لم نشعر طوال الجلسة التي امتدت طويلاً، بذلك الفارق في العمر. كان رجلاً في قمة التواضع، الذي يمكن أن يطلق عليه «تواضع الكبار»، الذين مهما علت مكانتهم وزادت معرفتهم لا يشعرون بأي تعالٍ على من هم دونهم مكانة وثقافة ومعرفة، كان يصغي إلى أحاديثنا، ويجيب عن أسئلتنا بكل أريحية ومحبة.
 كنا قبل أن نلتقيه حفظنا عن ظهر قلب قصيدته الشهيرة والرائعة: «الصمت عار»، ليس لأننا قرأناها في أحد دواوينه، وإنما لأننا سمعناها على هيئة أغنية، لحنها مواطنه الفنان جابر علي، ويقول مطلعها: «الصمت عار/ الخوف عار/ مَن نحن؟/ عشاق النهار/ نحيا/ نحبّ / نخاصم الأشباح/ نحيا في انتظار/ سنظلّ نحفر في الجدار/ إما فتحنا ثغرة للنور/ أو متنا على وجه الجدار/ لا يأس تدركه معاولنا/ ولا ملل انكسار».
 لم ألتق المقالح بعد ذلك اللقاء، لكن كنت أقرأ بانتظام مقاله الأسبوعي في «الخليج»، الذي استمرّ في كتابته لسنوات طوال، فالرجل لا يشارك في أنشطة ثقافية وأدبية خارج اليمن، فلا تصادفه في مهرجان شعري عربي، أو معرض للكتاب في أي مدينة تقصدها، حتى أن وفداً من الأمانة العامة لمؤسسة سلطان بن محمد العويس قصد صنعاء لتسليمه جائزة العويس في الشعر حين منحت له، تقديراً لإبداعه، حيث تعذّر عليه حضور حفل تسليم الجوائز بدبي.
 المكان الوحيد المتاح للقائه هو مدينته الأثيرة، صنعاء، التي لم يغادرها رغم قسوة الظروف، وما تشهده من تطوّرات درامية، وهو القائل: «يوماً تغنّى في منافينا القدر/ لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر»، لكن بينه وصنعاء ليس ثمّة من سفر، إنما إقامة حياة ستدوم، رغم الرحيل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3z8axk2n

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"