عادي
رفوف إماراتية

«الواري»..عبد العزيز المسلم يستمع إلى همس البحر

16:05 مساء
قراءة 4 دقائق
عبد العزيز المسلم

الشارقة: علاء الدين محمود

يعد عبد العزيز المسلم من الشخصيات الإماراتية المشتغلة في مجال الثقافة والتراث في الدولة، وهو يشغل منصب رئيس معهد الشارقة للتراث، ارتبط اسمه بالتراث الثقافي والحكايات الشعبية، منذ منتصف الثمانينات؛ حيث عمل على إعادة كتابة عدد كبير من الحكايات الإماراتية، كما كتب عدداً من الدراسات والأبحاث في التراث الثقافي، ومثّل الإمارات في منظمات دولية مثل اليونيسكو وغيرها، وعمل على وضع التراث في مكانته التي يستحقها، إلى جانب المعارف والثقافات الأصيلة، وله العديد من المؤلفات في مجالي الأدب والتراث منها: «موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي.. دراسة في المخيلة الشعبية»، و «جحا والباب.. حكاية من التراث الإماراتي»، و«أمثال السنع.. باقة من الأمثال الشعبية الإماراتية».

وفي كتابه «الواري... 12 حكاية وكائناً خرافياً في البحر/ من حكايات البحارة في الإمارات»، من إصدارات معهد الشارقة للتراث، يواصل المسلم سلسلة دراساته وأبحاثه التي تتعمق في التراث الإماراتي؛ حيث تعد أعماله في الحكايات الشعبية والكائنات الخرافية في التراث الإماراتي هي الأهم؛ إذ ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية، ويتجه في هذا المؤلف صوب البحر كمفردة تراثية، ليغوص في حكاياته العجيبة وكائناته الخرافية، وقصص البحارة، ليرصد عبر ه 12 حكاية والعديد من الروايات التي تعكس طبيعة عيش البحارة وثقافتهم في أزمنة مضت والعادات والتقاليد الناتجة عن تلك الحياة.

إضاءات

ويوجه الكتاب في مقدمته إضاءات مهمة حول مناطق جغرافية بعينها كانت بمنزلة مسرح لتلك الحكايات الخرافية؛ حيث يشير إلى أن المنطقة الشرقية للدولة والتي تتقاسمها إمارتا الشارقة والفجيرة، ومدنها: الفجيرة وخورفكان وكلباء ودبا الحصن ودبا الفجيرة، ومناطق: الزبارة واللؤلؤية والبدية وقدفع ومربح والقرية وسكمكم وطريف والغيل وحلة، تعد من أخصب مناطق الإمارات قاطبة في مجال الأدب الشعبي، فهي أشبه بالجزيرة التي تحيط بها العجائب من كل صوب.

ويلفت المؤلف إلى أن ذلك الموقع المميز جعل المنطقة تتمتع بثراء ثقافي ومعرفي مميز، وأوجد مخزوناً أدبياً كبيراً، وتنوعاً في اللهجات، وتميزاً في الإبداع، فحتى الحكايات التي يتفق على انتشارها في جميع أنحاء الإمارات بشكل قريب من بعضه، تجدها في المنطقة الشرقية مختلفة اختلافاً ملحوظاً، إن لم يكن جذرياً، حتى المرويات الشهيرة جداً نجدها متميزة، إن لم تكن مختلفة هناك.

ويشير الكتاب إلى خصوصية قصص البحر واستمراريتها على مر الأزمان؛ حيث إن كل الحكايات كانت تبدأ بجملة «كان يا مكان»، وتنفض بعد أن ينفض مجلس الحكاية ما عدا حكايات البحر، فهي تروى منذ الأزل، لكنها لم تنتهِ بعد، فقد ظل إنسان المكان يروي حكاياته جيلاً بعد جيل، وهي مستمرة في الواقع والخيال، تشغل الناس، وتروح عنهم، وتخيفهم في كثير من الأحيان، وفي هذا السياق، يشير المؤلف إلى أن اليابسة في كوكب الأرض لم تستطع أن تحافظ على ملامحها أبداً على مر العصور، فكل من يأتي إلى هذه الدنيا يغيّر في اليابسة، إما بناءً وإما هدماً؛ بل وتكاد الأرض أن تضيق بساكنيها، غير أن البحر ظل صامداً لم تتغير ملامحه، ولم يتبدل سكانه، فالأشكال هي الأشكال، والسكان هم السكان، والأماكن هي الأماكن، إذا امتلأ فاض، وإذا غضب هاج، وإذا تعب انحسر، لكنه على الدوام يعود إلى طبيعته الأولى التي خلق عليها.

ويتناول المؤلف علاقة الإماراتيين التاريخية والعميقة بالبحر جيلاً بعد جيل، مشيراً إلى أن البحر شكل جزءاً كبيراً من ذاكرة سكان الإمارات وتفاصيل حياتهم في الماضي؛ بل كان هو مدار الحياة، الرزق والعيش والثروة؛ لذلك نشأت منذ آماد بعيدة علائق وطيدة بين الإماراتيين والبحر؛ إذ كانت حياتهم مرتبطة به وبعوالمه ومواسم ارتياده، ومن خلال تلك العلاقة، نسج الإماراتيون الكثير من الحكايات الشعبية والخرافية التي تعكس ذلك الارتباط الوثيق بالبحر، وظهرت أعلام وشخوص ورموز ذات محمولات ثقافية وتراثية تنتمي إلى عالم البحر، كالغواصين والنواخذة والطواويش وغيرها، ويوضح الكتاب أن هناك مهناً عريقة تشكلت من خلال العلاقة مع البحر مثل صيد الأسماك، واستخراج الأحجار المرجانية، والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، والأسفار عبر البحار والمحيطات وغير ذلك من الحرف والمهن.

وينقسم الكتاب إلى قسمين؛ حيث يتناول في الأول ست كائنات خرافية؛ وهي: بابا درياه (بودريا)، وهو من أشهر تلك المخلوقات التي عرفها أهل الإمارات والخليج، وهو من الكائنات المرعبة؛ حيث انتشر ذكره عند سكان المدن الساحلية، وهناك خطاف رفّاي (بوشريّع)، وهو كائن صاحب حكايات كثيرة، ويتميز بالضخامة ويعد فتاكاً، ويظهر في عرض البحر، وكذلك هناك سلامة وبناتها «كسير وعوير»، وهي حكايات قديمة عند العرب، ويطلق الإماراتيون وبعض أهل الخليج على سلامة وبناتها اسم «غبة سلامة»؛ حيث إن الغبة هي لجة البحر، أما «شنق بن عنق»، فهو عملاق وسيم، وهناك فتوح «عفريت القرم»، وهو من أشهر الكائنات المرعبة، أما الواري «بوصراي»، فهو كائن يعمل على تضليل البحارة ثم إغراقهم في البحر.

ويستعرض القسم الثاني من الكتاب، ست حكايات خرافية وهي «أحمد المختار وأمير البحار»، و«بديحه بديحه»، و«التاجر المحتال»، و«زوجة الطواش»، و«طويل القامة»، و«النوخذة».

الكتاب يحمل الكثير من المعلومات والمعارف التراثية عن البحر وكائناته، وفي ذات الوقت يوفر المتعة للقارئ من مختلف الخلفيات والمستويات؛ حيث إن هذه القصص ربما لا توجد مجتمعة في كتاب واحد، فهي تأخذ المتلقي نحو عوالم البحر وغرائبه وعجائبه بسرد جميل ومشوق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28f5xs5j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"