بداية نصف القرن

01:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

يعد عيد الاتحاد لدولة الإمارات هذا العام الأول في نصف القرن الجديد من عمر الاتحاد الذي تم الإعداد له ضمن جهود برامج «الخمسين عاماً القادمة». وفي الاجتماعات السنوية للحكومة الإماراتية قبل موعد العيد الوطني بأيام، كان بارزاً اهتمام قيادة البلاد وحكومتها بالتعليم باعتباره أولوية قصوى.

ميزة الدول المستقرة أنها تراكم في مقوماتها وأدوات قوتها، فلا انقطاع نتيجة عدم استقرار ولا تجريب وإعادة من مربع صفر. لذا، فنصف القرن القادم هو بناء على ما تحقق وأنجز في نصف القرن الماضي. وبدا واضحاً في السنوات الأخيرة كيف أن الاستثمار في البشر أتى أكله بوضوح، ما يعزز زيادة هذا الاستثمار في المستقبل قاعدةً للبناء والتطور وامتلاك السلاح الأهم في هذا العصر لتعزيز القدرات الذاتية وضمان دور إقليمي ودولي يحافظ على المصالح في إطار من التنافس العادل.

نحن لا «نخترع العجلة» وإنما نستفيد من دروس التاريخ وتجارب الآخرين. وعلى مر التاريخ الحديث والمعاصر تعتمد الدول في تطورها على سكانها، وأهم مقومات تطوير المجتمع عمودان أساسيان: التعليم والصحة. وفي هذين المجالين استثمرت الإمارات على مدى نصف القرن الأول من عمر دولة الاتحاد ما جعلها تتجاوز أزمات نالت من دول أخرى بعضها ما توصف بالدول «المتقدمة».

كان المثال الواضح في ذلك هو أزمة وباء كورونا، وكيف أن اهتمام قيادة البلاد بالصحة العامة للمجتمع ساعدت في واحدة من أفضل تجارب انتشار الفيروس وحماية البشر على أرض الدولة من مواطنين ووافدين مقيمين. ليس هذا فحسب؛ بل إن الاستثمار في التعليم على مدى سنوات سابقة مكّن البلاد من أن تطور بسرعة إنجازات مهمة في مكافحة الوباء، من ابتكارات في المختبرات العلمية إلى إنتاج اللقاحات. ولم يفد ذلك من في الإمارات فقط؛ بل امتدت المنفعة في أنحاء العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وفي كثير من الأحيان في شكل منح وتبرعات طبية وصحية إماراتية أنقذت أرواحاً من كل أجناس البشر.

لذا، فإن اهتمام القيادة والحكومة بالتعليم هو مكون أساسي من مكونات استراتيجية نصف القرن القادم لدولة تريد المضي قدماً في طريق التطور والإنجاز وحتى الاستفادة من الفرص ليمتد تأثير تقدمها فيما حولها في المنطقة والإقليم والعالم أيضاً.

لم يكن الاستثمار في البشر على مدى السنوات الماضية مجرد أموال وميزانيات فحسب، على الرغم من أهمية ذلك بالطبع، إنما أيضاً كان من خلال مرونة شديدة في تطوير المناهج والتركيز على مسارات التعليم التي تلبي احتياجات التنمية المستدامة وولوج مجالات تتسق مع العصر وتستعد للاستفادة مما توفره التطورات العالمية في المستقبل.

فالتعليم التقني، والتركيز فيه على مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وفر للدولة شباباً وشابات من أبنائها هم من يديرون الآن محطات الطاقة النووية. ليس هذا فحسب؛ بل كان الأساس الذي استند إليه مشروع الفضاء الإماراتي الناشئ الواعد. ناهيك طبعاً عن وجود الكوادر التي تعمل الآن في صناعات موجودة، لكن أمامها آفاق للتطور والتوسع من صناعات الطاقة إلى الطيران وغيرها من أنظمة إلكترونية مدنية ودفاعية.

ولا ينفصل التعليم عن الصحة، كما يقول المثل الشائع «العقل السليم في الجسم السليم». ونتيجة الاستثمار في القطاعين بالتوازي من قبل شهدنا تلك النتيجة المبهرة في التصدي لوباء كورونا. ومن التطورات الجانبية على هامش فترة أزمة الوباء أن الإمارات كانت من أكثر الدول انتقالاً بسرعة وسلاسة لممارسات مثل «العمل من المنزل» و«التعليم عن بعد» وغيرها. وما كان ذلك ليتحقق من دون الاستثمار في العلم والتعليم، خاصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والابتكار الرقمي. مع توفر بنية أساسية رقمية بدأتها الإمارات قبل كثير من غيرها واستثمرت فيها حتى أصبحت في وضع أفضل بكثير من الدول المتقدمة.

بالطبع لا يعني الاستثمار في البشر، عبر التعليم والصحة، التقليل من أهمية الاستثمار في كافة قطاعات النشاط البشري. لكن أغلب تلك القطاعات، إن لم يكن كلها تقريباً، يعتمد أساساً على الإنسان. وهذا ما أولته قيادة البلاد أهمية قصوى على مدى سنوات، وأكدت مع بداية نصف القرن الجديد أنه سيظل أولوية أيضاً.

من المهم أيضاً الإشارة إلى أن هذا الاستثمار المستمر في الإنسان، تعليماً وصحة، وإن كان يستهدف المواطن الإمارات ي بالأساس إلا أنه أيضاً يفيد كل من يقيم فيها من وافدين وزائرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8mj6sbzm

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"