عادي
فرص أعلى للاحتفاظ بالمهارات بعد جائحة «كورونا»

هيكلة جديدة في سوق العمل العالمي وسط الركود المتوقع

21:33 مساء
قراءة 6 دقائق
62b020ed1031a62b020ed1031b165570993362b020ed1031862b020ed10319

دبي: خنساء الزبير

تظهر صورة الاقتصاد العالمي متعثراً وأن كبرى الشركات تقوم بتسريح آلاف الموظفين، وعلى الرغم من هذا توجد بعضاً من الأخبار السارة وهي أن الموظفين في هذه المرة لديهم فرصة أفضل للاحتفاظ بعملهم إذا حدث الركود.

فمنذ ما يقرب من 3 سنوات، منذ انتشار الجائحة، لا تزال الشركات في جميع أنحاء العالم تشكو من عدم تمكنها من الحصول على المواهب التي يحتاجون إليها، وقلقون بشأن نقص الموظفين الذين من المرجح أن يستمر إلى ما بعد الانكماش المقبل وليس فقط لما بعد الوباء.

كل هذا يعني أنه على الرغم من ضعف الطلب على سلع وخدمات هذه الشركات، فإن العديد منها يتطلع إلى الاحتفاظ بالموظفين الحاليين، أو توظيف المزيد غيرهم، وليس السماح لهم بترك العمل، أي أنه اكتناز للعمالة التي يعرفون أنهم سيحتاجون إليها بمجرد أن يبدأ الاقتصاد في التسارع مرة أخرى. وهذا من شأنه أن يجعل التباطؤ الاقتصادي القادم مختلفاً تماماً، وفي بعض النواحي أقل إيلاماً، مقارنة بالتباطؤ الذي اعتاد عليه العالم.

ومؤخراً كان هنالك بالفعل الكثير من الإعلان عن تسريح موظفين من شركات ضخمة، مثل «أمازون» ومجموعة «غولدمان ساكس» وغيرهم، لكن قد يثبت أنهم حالات مختلفة.

حاضر أفضل

تتوقع «بلومبرج إيكونوميكس»، أن البطالة سترتفع بنحو 3.3 مليون في الاقتصادات المتقدمة بحلول عام 2024، وهي الفترة التي من المتوقع أن يعاني فيها معظمها من الركود، وفي حين أن هذا يمثل عدداً كبيراً من الوظائف المفقودة إلا أنه أقل من 5.1 مليون في فترة الانكماش المعتدل نسبياً التي بدأت في عام 2001، وضئيل أمام نطاق فترتي الركود الماضيتين في العالم.

وعلاوة على ذلك تعتبر نقطة البداية للتوظيف قوية تاريخياً؛ حيث نجد أن معدل البطالة في الاقتصادات المتقدمة الكبرى عند 4.4% في سبتمبر وهو الأدنى منذ أوائل الثمانينات، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وهذه المرة ربما تكون مجالات الوظائف، بما في ذلك خدمات الأعمال والتكنولوجيا والبنوك والعقارات، أكثر عرضة لخفض الوظائف؛ فهي المجالات التي فيها أعداد الموظفين أعلى بكثير من مستويات ما قبل كوفيد، وقد بدأت بالفعل عمليات تسريح.

وفيما يتعلق برأي شركات التوظيف في هذا الأمر يتوقع جوناس بريسينج، الرئيس التنفيذي لوكالة التوظيف العالمية مانباور جروب، أن تحاول الشركات إبقاء الموظفين قيد سجلاتها حتى في حالة تباطؤ أعمالها.

وكانت لوريتا ميستر، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، قد قالت في 10 نوفمبر: «تخبرنا جهات الاتصال التجارية بأنها تخطط للإبقاء على موظفيها حتى مع تباطؤ الاقتصاد لأنه كان من الصعب للغاية جذبهم والاحتفاظ بهم خلال السنوات القليلة الماضية»، مشيرة إلى أنه سيكون شيئاً جيداً بمعنى أن معدل البطالة لن يرتفع بذات القدر.

وسيحصل بنك الاحتياطي الفيدرالي على أحدث لقطة لمدى التقدم الذي أحرزه يوم الجمعة عندما تصدر الحكومة تقرير جداول الرواتب لشهر نوفمبر.

أوضاع اقتصادية

يتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت آراؤهم «بلومبرج» زيادة قدرها 200000 وظيفة. وفي المملكة المتحدة، والتي هي بالفعل في حالة ركود وفقاً لمعظم الاقتصاديين والحكومة، من المتوقع أن تستمر أكثر من نصف مليون وظيفة في العامين المقبلين، ومع ذلك فإن هذا لن يؤدي إلا إلى رفع معدل البطالة إلى 4.9%.

وعلى الرغم من أن هيئة الرقابة المالية الحكومية أصدرت توقعاتها التحذيرية في 16 نوفمبر كان قادة المجال يكافحون مع نقص الموظفين في قطاعات مثل الضيافة والبيع بالتجزئة.

أما بالنسبة لمنطقة اليورو، فقد وصلت البطالة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في تاريخ العملة الموحدة.

وحتى مع حدوث ركود، على الأرجح، تظهر التوقعات الرسمية للاتحاد الأوروبي الصادرة في نهاية أكتوبر استمرار نمو التوظيف حتى عام 2024 وإن كان ذلك مع تباطؤ كبير في عام 2023، وارتفاع معدل البطالة بشكل معتدل.

ويعزو المسؤولون ذلك إلى الإجراءات الحكومية الداعمة للاحتفاظ بالوظائف إلى جانب ارتفاع نسبة المسنين، وربما أيضاً يسهم توفير حماية أكبر للموظفين الأوروبيين في الحد من قيام الشركات بعمليات تسريح.

آثار الجائحة

من المؤكد أن الأزمة الصحية التي لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان قد أعاقت تدفقات العمالة الوافدة تاركة دولًا مثل أستراليا تسعى إلى تعزيز الهجرة، وأدت أيضاً إلى تقليص القوى العاملة كما أن مشاركة سوق العمل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لا تزال دون مستويات ما قبل الوباء.

ونيوزيلندا من بين الاقتصادات التي تعرضت لضربة، وقال محافظ بنكها المركزي، أدريان أور، إن النقص في العمال يعني أن الأمر كله يتعلق بالعمالة.

وقال للصحفيين في 23 نوفمبر بعد رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس: «إنها سوق تنافسية بشكل لا يصدق، إن التقلب في سوق العمل مرتفع بشكل هائل، وهناك منافسة كبيرة في السوق».

بجانب أن الوباء أودى بحياة أكثر من 6 ملايين شخص ترك أيضاً ملايين آخرين مثقلين ب«كوفيد» لفترات طويلة أو غيرها من الإعاقات التي تجعلهم غير قادرين على العمل.

واختار العديد من الأشخاص ترك العمل من أجل التقاعد المبكر أو الاعتناء بعائلاتهم أو التفرغ للدراسة.

ووفقاً لدراسة حديثة لأسواق العمل في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا واليابان والصين من قبل الشركتين «جلاسدور» و«إنديد»، فإنه بدون اتخاذ تدابير مثل الهجرة المستمرة، ستؤدي شيخوخة السكان إلى تقليص القوى العاملة في العديد من البلدان وهذا يدفع بعض الشركات والحكومات إلى التفكير على المدى الطويل.

وبالفعل أعادت أستراليا استراتيجيتها، بحيث خففت متطلبات الهجرة للسماح لما يصل إلى 35000 عامل إضافي بدخول البلاد كل عام.

وأوصت سينثيا إم سانبورن، مديرة العمليات في نورفولك ساذرن كورب، لمحللي وول ستريت في 26 أكتوبر، قائلة: «علينا أن نتأكد من أننا ندير فترات الركود بطريقة تجعلنا في وضع جيد للتعامل مع فترات الصعود».

مجالات النقص

هنالك نقص حاد في العمالة في بعض المجالات الأكثر تضرراً من الوباء، حيث نجد أن قوائم الرواتب في مجالات الترفيه والضيافة في الولايات المتحدة أقل بأكثر من مليون مرة عما كانت عليه قبل الجائحة، كما أن عدد العاملين في المطاعم أقل أيضاً.

وهذا ما جعل بعض الاقتصاديين، مثل بيتسي ستيفنسون من جامعة ميشيغان، إلى الاعتقاد بأن عمليات تسريح العمال في تلك القطاعات لن تكون كبيرة كما كانت في فترات الركود السابقة.

وربما لا يبدو الأمر كذلك في مجالات الوظائف في الشركات الكبيرة، حيث قام إيلون ماسك الرئيس التنفيذي الجديد لشركة «تويتر» بخفض كبير في أعداد الموظفين، وأقال الرئيس التنفيذي لمنصات ميتا، مارك زوكربيرج، 11000 موظف.

كما أن أمازون ستسرح عدداً مماثلاً في عام 2023، بينما ستلغي شركة «اتش بي» ما يصل إلى 6000 وظيفة على مدار السنوات الثلاث المقبلة. وأعلن مجال التكنولوجيا عن تخفيض 9587 وظيفة في الولايات المتحدة في أكتوبر، وهو أعلى إجمالي شهري منذ نوفمبر 2020.

وفي القطاع المصرفي، أدى التراجع الحاد في إيرادات إبرام الصفقات وإصدار الديون إلى وضع المصرفيين الاستثماريين في حالة تأهب قصوى.

وشرعت مجموعة غولدمان ساكس في أكبر جولة لتسريح الموظفين منذ بداية الوباء مع خطط لإلغاء عدة مئات من المناصب. وخفضت سيتي جروب عشرات المناصب في أوائل نوفمبر مع توقعات بأن تصل في باركليز في لندن إلى حوالي 200، وفقاً لأشخاص مطلعين على هذه التحركات.

فوائد للشركات الأصغر

وعلى الرغم من أن خفض العمالة في مجالي التكنولوجيا والتمويل هائلة، لكن لا أحد يتوقع موجة كبيرة من عمليات التسريح كما حدث في عام 2008. إضافة إلى أن التكنولوجيا تمثل حوالي 2% فقط من جميع الوظائف في الولايات المتحدة.

وهنالك سيناريو آخر وهو أن من كانوا يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات وتم تسريحهم من الشركات الكبرى ربما يتم توظيفهم من قبل شركات أصغر كانت قد واجهت صعوبة في جذب مثل هذه المواهب، وهي الآن تحصل عليها وبرواتب أقل.

كما أن تداعيات الوباء جعلت من الصعب على الشركات الاحتفاظ بموظفيها، حيث يبدو أن الموظفين أكثر استعداداً مما كانوا عليه في الماضي للبحث عن فرص أفضل في مكان آخر.

ووفقاً لأحدث بيانات من «مورنينج كونسلت»، فقد تقدم واحد من كل 5 موظفين أمريكيين، تتراوح أعمارهم بين 25 و 54 عاماً، لشغل وظيفة جديدة الشهر الماضي.

وقال ريان روسلا نسكي، الرئيس التنفيذي لشركة لينكدإن، لتلفزيون بلومبيرج: «هناك إعادة ترتيب كبيرة في توظيف المواهب تحدث في جميع أنحاء العالم، حيث يحاول الناس العثور على وظائف وفرص جديدة وزيادة المهارات».

تحركات «الفيدرالي» الأمريكي

على الرغم من أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يبدو أنهم مستعدون للبدء في إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة، فإن كل الرهانات ستنتهي إذا استمر التضخم. وهذا ينطبق بشكل خاص في حالة كانت العمالة المؤهلة تسعى للحصول على أجور أعلى، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.

وقد يؤدي ارتفاع معدل الفائدة الناتج من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى إلى دفع اقتصاداتها إلى ركود عميق يجعل الشركات تلجأ إلى تسريح كبير للعمالة نتيجة تضاؤل أرباحها.

ولكن كما هي الحال في الولايات المتحدة، فقد ظلت الوظائف ثابتة في العديد من الاقتصادات الأخرى التي رفعت أسعار الفائدة بشكل كبير؛ فلا يزال معدل البطالة في نيوزيلندا بالقرب من مستوى قياسي منخفض، بينما ارتفعت الأجور بأكبر قدر منذ بدء سلسلة رفع الفائدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mum5fwfc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"