الإمارات في عيدها

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

الأرقام في حياة الدول والشعوب لها دلالات سياسية عميقة، وتحمل مناسبات تاريخية ووطنية تسترجع ذكراها لاستنباط العبر والدروس منها لتكون باعثاً ودافعاً للمضيّ قدماً في مسيرة البناء. وحياة الدول لا تقاس بعدد السنين ولكن بإنجازاتها وقدراتها على التكيف واحتواء التحديدات والتهديدات، وبالحكم الرشيد الذي يواكب ويستجيب للتطورات المتلاحقة في بيئته السياسية الداخلية والخارجية.

وعيد الاتحاد الواحد والخمسين لدولة الإمارات الواحد يحمل مضامين مهمة يتم استحضارها حتى تتربّى الأجيال على منهاج الوحدة والبناء والحب الوطني والتسامح وإلانسانية والخير كما أراده مؤسس الدولة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وإخوانه الحكام الإمارات.

فالثاني من ديسمبر من العالم 1971 لم يعد مجرد تاريخ عادي في حياة الدولة، فهو يوم التأسيس لدولة تحولت اليوم إلى دولة لها قيادتها الفاعلة والحاضرة ومكانتها ودورها إقليمياً ودولياً. ولم تكن مهمة التأسيس مهمة سهلة، بل جاءت في أصعب الظروف والتطورات السياسية التي عاشتها المنطقة، وفي ظل تهديدات إقليمية في المنطقة وتنافس بين أكبر قوتين آنذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في ظل الحرب الباردة بينهما ومحاولاتهما ملء فراغ القوة الذي تركته بريطانيا بإعلان انسحابها. وكان الهدف منذ البداية قيام دولة الإمارات الجامعة لإماراتها السبع في إطار مؤسساتي اتحادي. وعملية التأسيس هذه ما كان يمكن أن تنجح إلا بجهد القادة المؤسسين.

إن الرقم 51 هو نهاية النصف المئوية الأولى للدولة وبداية العام الأول من النصف الثاني من هذه المئوية التي تتبنّى كلها إنجازات وطموحات قيادتها وشعبها للوصول إليها. الدلالة الأخرى التي يتميز بها هذا العام هي تولّي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئاسة الدولة بأسلوب حكم عكس رشاد وديمقراطية الحكم وهو أحد أهم مقومات نجاح دولة الإمارات. كانت عملية انتقال سلسة بإجماع أعضاء المجلس الأعلى للحكام وبمبايعة شعبيه تجسد صورة الديمقراطية المباشرة في الحكم. ومع هذا الحكم تتواصل مراحل الدولة الثلاث من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التمكين لحكم الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، إلى مرحلة الريادة، والانطلاق نحو المستقبل والفضاء الخارجي.

وما يلفت الانتباه في هذه المراحل الثلاث مشاركة صاحب السمو رئيس الدولة في مرحلتي التأسيس والتمكين، وهذا في حد ذاته يشكل عاملاً آخر لنجاح الدولة والقيادة. ولعل أبرز سمات هذا العام هو حضور صاحب السمو رئيس الدولة إقليمياً ودولياً في العديد من المناسبات والقمم وزياراته لأكثر من دوله ولقائه بقيادتها وأبرزها اللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودور الوساطة والسلام الذي تقوم به الدولة لإنهاء الحرب الأوكرانية، ومشاركته في قمة شرم الشيخ للمناخ وإلقاء سموه كلمة عكست رؤية الدولة للمساهمة في حل مشكلة المناخ وإسهاماتها عالمياً، ثم حضوره قمة العشرين.

إن هذه الزيارات تعكس دور الدولة وحضورها عالمياً. وإلى جانب هذا التميز يجب التنويه بلقاءات رئيس الدولة بمواطنيه ومشاركته للعديد من المناسبات الشعبية المختلفة. وأيضاً اجتماع حكومة الإمارات ووضع رؤية الدول للعام 2030، وهى رؤية وطنية على مدار العقد القادم. والاستمرار في مسيرة الإنجازات الداخلية وتبوّؤ مراكز متقدمة في العديد من المؤشرات العالمية في التنمية المستدامة والحكم والسلم والتسامح.

كل ذلك يضع دولة الإمارات في مصافّ الدول المؤثرة والحاضرة في العديد من القرارات الدولية. وإذا كان لهذه المؤشرات والإنجازات في العام الأول من النصف الثاني لمئوية الإمارات من دلالة؛ فهي أن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح والسليم نحو المستقبل الذي تصنعه وتسبقه بإنجازاتها. ويبقى أن أهم الإنجازات هو النجاح في تأسيس الهوية الوطنية المتميزة للدولة التي تقوم على التنوير والانفتاح على كافة الثقافات والحضارات الأخرى لتكتمل معها روح الاتحاد وروح الشعب الإماراتي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zztdpcu

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"