شرايين الوحدة الإفريقية

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تكشف الجهود الإفريقية المتسارعة لاستكمال إنشاء الطرق القارية وخطوط السكك الحديدية التي تربط الدول الإفريقية بعضها بعضاً، عن تنامي الوعي والإحساس بين قادة وشعوب المنطقة بالأهمية الفائقة التي يمكن أن تفرزها عمليات دعم وتعزيز البنية التحتية في وسائل النقل والترحيل.

فهذا القطاع المهم يعد صمام أمان لتعزيز وحماية الوحدة والاستقرار القاري ومنع التفكك والنزاعات بين الدول وداخل الحدود القطرية لهذه الدول. كما أنها تمثل رافعة حاسمة من روافع التنمية الاقتصادية والازدهار والتطور وجلب الاستثمارات الخارجية وهي أهداف رئيسية لأي دولة.

وخلال الأيام الماضية، أعلنت الحكومة الجزائرية تخصيص مليارين ونصف المليار دولار لبدء إنجاز الشطر الأخير من «طريق الوحدة الإفريقية»، الذي يصل عاصمة البلاد بالعاصمة النيجيرية لاغوس، وذلك بعد تأخير دام لعقود طويلة بسبب مشاكل أمنية ومالية.

وتبلغ المسافة الإجمالية للطريق نحو 9900 كيلومتر، بينما تبلغ كلفته الإجمالية حوالي 6 مليارات دولار أمريكي. ويعد الطريق الذي يطلق عليه أيضاً «الطريق العابر للصحراء» شرياناً اقتصادياً يربط الجزائر مع خمس دول إفريقية هي تونس والنيجر ومالي وتشاد ونيجيريا، وهو يحقق التكامل التجاري بينها ويساعد على بروز تكتلات اقتصادية واعدة بالقارة.

يضاف إلى هذه الخطوة الجزائرية قيام الحكومة السودانية بتوقيع اتفاقية تنفيذ خط السكك الحديدية الذي يربط مدينة ادري التشادية مع ميناء التصدير السوداني على سواحل البحر الأحمر. وهذا المشروع الذي تأخر تنفيذه سنوات عديدة بسبب عوامل عدة، عبارة عن قطار سريع للركاب والبضائع بعرض قياسي وخطين متوازيين يربط ميناء بورتسودان بمدينة ادري التشادية. ويضم المشروع قطارات تعمل بالكهرباء ومحطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لتشغيل القطارات.

ويقدم المشروع السوداني خدماته إلى عدة دول إفريقية بينها إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا. وهو جزء من الخط القاري بورتسودان داكار الذي يربط غرب القارة مع شرقها وشمالها. وتحركت مصر بشكل موازٍ لتنفيذ طريق السكك الحديدية الذي يربط العاصمتين السودانية والمصرية ضمن شبكة أشمل تصل إلى جوهانسبرغ في أقصى جنوب القارة.

هذه الشبكة العملاقة من الطرق العابرة وخطوط السكك الحديد القارية تلعب دوراً مهماً في تحريك الطاقات الاقتصادية وتنشيط وبناء المنشآت الصناعية المختلفة وتسريع عمليات صادر المنتجات الزراعية والحيوانية والسمكية والصناعات التحويلية.

وخطوط السكك الحديدية بمثابة شرايين للقارة، لأنها تجعل تنقلات المجموعات البشرية داخل الدولة الواحدة وبين الدول المتجاورة أكثر سهولة وأقل كلفة وهي توفر الآلاف الوظائف المتجددة للشباب وتكافح الركود والبطالة، الأمر الذي يعزز استقرار المجتمعات ويعالج جذور النزاعات الأهلية ويغلق الباب أمام التطرف. وهي فوائد ملموسة ستبدأ آثارها في الظهور مع اكتمال مراحل الشبكة العملاقة للطرق البرية وخطوط السكك الحديدية الجديدة.

إن إعلان الوحدة السياسية بين مجموعة من الدول من دون توفير البيئة التي تتيح فرص المنفعة المشتركة للشعوب في مجالات التجارة والتطور الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، سيظل مشروعاً معلقاً على سماء الأمنيات والأحلام، ولن يكون له وجود أو تأثيرات حقيقية على أرض الواقع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jabnyddj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"