عادي

الحرب في أوكرانيا تحيي المخاوف من وقوع نزاع نووي

23:25 مساء
قراءة 4 دقائق
---1-21

باريس- أ.ف.ب

أحيت الحرب الروسية-الأوكرانية، المخاوف من وقوع حرب نووية، ولو أنّ التركيبة الأمنية الدولية الدقيقة التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قد بدأت بالانهيار منذ سنوات.

وتعليقاً على تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين الغامضة وغير الواضحة بشأن استخدام السلاح الذري في حال تمّ إحباط طموحاته الأوكرانية، قال مساعد الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي كاميل غراند: «هي المرة الأولى منذ بداية العصر النووي التي تستخدم فيها قوة نووية واقع امتلاكها لهذا السلاح وتشنّ حرباً تقليدية مستظلّة بالقوة النووية».

وما زال مفهوم «المحرّمات النووية» الأخلاقي والاستراتيجي بشأن عدم استخدام السلاح الذرّي والذي تبلور بعد القصف الأمريكي لهيروشيما وناغازاكي في عام 1945، قائماً، لكن الخطاب حوله ليس كذلك. في عام 2022، لم تتردّد قنوات تلفزيونية روسية في استحضار احتمالات توجيه ضربة نووية على باريس أو نيويورك، بينما أكد دبلوماسي روسي سابق أنّ بوتين «سيضغط على الزرّ» إذا اعتبر أنّ روسيا مهدّدة بالاختفاء.

بالنسبة للديمقراطيات التي عاشت طويلاً على «مكاسب السلام»، كانت الصحوة قاسية. لدرجة أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن حذّر في أكتوبر/تشرين الأول من «كارثة» نووية محتملة، الأمر الذي يعكس الشعور السائد الآن بأنّ العالم يرقص على بركان.

تفكيك المعاهدات

في عام 2007، كتب توماس شيلينغ الحائز جائزة «نوبل» للاقتصاد والخبير الأمريكي في المسائل الاستراتيجية، «الحدث الأكثر إثارة في نصف القرن الماضي هو حدثٌ لم يحدث»، ملخّصاً بذلك هشاشة التوازن الذي كان العالم يستند إليه منذ هيروشيما وناغازاكي في عام 1945.

قبل أوكرانيا بوقت طويل، بدأت التركيبة الاستراتيجية العالمية تتداعى، في أوروبا، وأيضاً في آسيا والشرق الأوسط.

بالنسبة للمؤرّخ والخبير الفرنسي في مسائل منع الانتشار النووي ونزع السلاح بنيامين اوتكوفرتور، فإنّ الاضطرابات كانت قائمة منذ بداية العقد الأول من القرن ال21. ويمثّل انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2002، والتي لطالما كانت حجر الزاوية في التوازن النووي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بداية تفكّك معاهدات مراقبة أو نزع السلاح الموقّعة بين الخصوم السابقين خلال الحرب الباردة. ومن بين هذه المعاهدات، معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى الموقعة في عام 1987 والتي تلاشت في عام 2019 بعد الانسحاب الأمريكي ثم الروسي منها. ويقول كاميل غراند: «على مستوى نزع السلاح، إنه الخراب، بصرف النظر عن نيو ستارت»، الاتفاقية الأخيرة من نوعها التي تربط الولايات المتحدة وروسيا.

كوريا الشمالية وإيران

إضافة إلى تفكّك المعاهدات، شكّل انسحاب كوريا الشمالية الأحادي الجانب في عام 2003 من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، أيضاً علامة على المخاطر المتزايدة. فقد ازداد نشاط بيونغ يانغ في مجال الصواريخ البالستية بشكل خطر، مع عدد قياسي من إطلاق الصواريخ في الأشهر الأخيرة، فيما تتوقّع واشنطن وطوكيو وسيؤول تجربة نووية سابعة وشيكة في البلاد.

وكانت كوريا الشمالية أعلنت في سبتمبر/أيلول عن عقيدة جديدة تنصّ على أنها لن تتخلّى أبداً عن السلاح الذرّي، مؤكدة استخدامه لأغراض وقائية.

وقال الباحث في مركز «كارنيغي» تشونغ مين لي خلال ندوة لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس عقدت أخيراً: «سنشهد أزمة خطرة للغاية في آسيا».

وفي معرض حديثه عن مخاوف الدول غير النووية في المنطقة بشأن مصداقية المظلّة الأمريكية، قال: «إذا تخيّلتم الردع النووي كبالون مملوء بالماء، فإنّ هذا البالون بات فيه ثقب الآن والماء يخرج منه».

وكل ذلك من دون الأخذ في الاعتبار الزيادة السريعة في القدرات النووية الصينية، الأمر الذي يُقلق الخبراء.

فوفق تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، يمكن للصين أن تملك ألف رأس حربي نووي في غضون عقد من الزمن، وهو ما يوازي عدد الرؤوس النووية التي ينشرها الأمريكيون.

في الشرق الأوسط، تتصدّر المسألة الإيرانية المخاوف، إذ يُشتبه منذ 20 عاماً بأنّ طهران تسعى إلى الحصول على القنبلة الذرية. وتعثّرت المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى لإحياء اتفاق أُبرم في عام 2015 وينصّ على تقييد البرنامج النووي الإيراني في مقابل رفع العقوبات عنها.

مخاطر الانتشار

ما هو مستقبل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، الأداة الحيوية للأمن الدولي؟

يعكس مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقدته الأمم المتحدة في أغسطس/آب، الاضطرابات الجارية. فقد منعت روسيا إعلاناً مشتركاً للدول الموقعة ال191 في اللحظة الأخيرة. وتحدّث مصدر دبلوماسي فرنسي عن «خطاب نووي عدواني بشكل غير عادي» من جانب روسيا وحتى «ازدرائها» بمعاهدة حظر الانتشار النووي.

وقال المصدر: «شهدنا قطيعة في الموقف الروسي الذي كان تاريخياً داعماً لمعاهدة حظر الانتشار النووي». وأشار المصدر إلى موقف الصين «الصاخب للغاية»، وقد انخرطت في «إدانة قاسية للغاية لأوكوس»، التحالف العسكري في المحيطين الهندي والهادئ بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، والذي يتمحور خصوصاً حول تسليم غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى كانبيرا.

وشجبت الصين تحالفاً «يعزّز الانتشار» النووي، ولكنّ المصدر أشار إلى أنها «لم تُزل الشكوك بشأن الغموض الذي يحيط بعقيدتها النووية الخاصة، ولا بشأن سرعة زيادة حجم ترسانتها».

أكثر من أي وقت مضى، يُطرح السؤال عن خطر تسارع انتشار الأسلحة النووية، في حين أنّ دولة خالية من الأسلحة النووية مثل أوكرانيا، تعرضت للحرب من جارتها.

ويقول الرئيس السابق لقسم القوات النووية في هيئة الأركان العامة الفرنسية للجيش جان لويس لوزييه: «اليوم، يمكن لدول مثل اليابان أو كوريا الشمالية أن تطرح على نفسها بشكل شرعي سؤال» حول امتلاك القنبلة. وتملك تسع دول حالياً السلاح النووي، وهي الأعضاء الخمس في مجلس الأمن الدولي وباكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49uk6nxz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"