عادي
لوحة استغرقت 6 سنوات

«السيدة روتشيلد».. جمال ينطق بالنبالة

17:09 مساء
قراءة 4 دقائق
جان أوغست إنجرس
جان أوغست إنجرس

الشارقة: عثمان حسن
الفنان الفرنسي جان أوغست إنجرس، من رواد الكلاسيكية الجديدة في الرسم، تأثر بشكل كبير بماضي التقاليد الفنية، وطمح إلى أن يصبح حامي المدرسة التقليدية في مواجهة حركة الرومانسية الصاعدة، ولد في مونتوبان فرنسا عام 1780 وتوفي في باريس 1867، درس الفنون الجميلة في الأكاديمية الملكية للرسم وتخرج في عام 1801.
في شبابه اطلع إنجرس على العديد من النماذج الفنية من بلجيكا وهولندا وإسبانيا، والتي تم نهبها خلال مرحلة نابليون ووضعت في متحف اللوفر.. وكانت تلك اللوحات بداية تعلقه بكلاسيكيات الفن وما فيها من تقنيات، فقدم رسومات واجهت حملة نقدية شديدة ضده تتهمه بنهب فنون السابقين، وهذا أثر في طلباته المتكررة للالتحاق بصالون باريس التي تم رفضها تباعاً، ما وجه إليه إهانة في الصميم، فهجر باريس باحثاً عن رزقه في رسم بورتريهات للسواح الإنجليز وأيضاً للنبلاء، حيث وجد إنجرس نفسه مفلساً ومن دون مؤسسات فنية ترعى أعماله، فبرع في استخدام تقنية خاصة به في رسم هذه البورتريهات التي وصفت لاحقاً بأنها من أجمل إبداعاته، وآثر أن يظل مخلصاً لنقاء اللون على خلاف ما تميزت به المدرسة الرومانسية التي برعت في تدرجات اللون ومسحة الخطوط والظلال على سطح اللوحة.
ومن المفارقات، أن الفنانين الرومانسيين، الذين كان يكن لهم إنجرس كرهاً شديداً، هم فقط من اعترفوا بمواهبه وقدروا الكثير من الأعمال التي نفذها.

الصورة
  • جلال

شهرة جان أوغست إنجرس برسم البورتريهات، جعلته مطلوباً بقوة في رسم الكثير من سيدات المجتمع ومن هذه البورتريهات البارونة بيتي أو «السيدة روتشيلد» التي أنجزها في عام 1848. تزوجت بيتي (1805-1886) من مصرفي مقرب لوالدها اسمه جيمس ماير دي روتشيلد، وكانت واحدة من أغنى النساء في أوروبا وواحدة من أبرز رعاة الفن الباريسيين، اشتهرت بجمالها وأناقتها غير المعهودة وكانت معروفة في الوسط الباريس المخملي بوصفها سيدة مجتمع من الدرجة الأولى.
أثر جمالها الطاغي في الوسط الفني والثقافي، وكانت واحدة من مصادر الإلهام للشعراء على سبيل المثال القصيدة التي كتبها «هاينريش هاين» بعنوان «الملاك».
سعى إنجرس إلى رسم صورتها، وحاول قدر الإمكان إبراز عناصر الثروة والجمال والفخامة البادية على ملامحها، هذه الملامح التي كانت سمة بارزة في عصر النهضة، مسترشداً برسومات رافائيل، وأصول ممارسة هذا الفن كما هو عند الرسام جان فان إيك. ووفقاً لمؤرخي الفن، فإن هذا المزيج الذي كان يستخدمه في الرسم، ميزه عن غيره من الرسامين في جيله، حتى أولئك الذين صنفوا ضمن الرسامين الحداثيين الأوائل.
تعتبر صورة «السيدة روتشيلد» واحدة من أكثر أعمال إنجرس إنجازاً من الناحية الفنية، وقد وصفت بأنها «ربما الصورة الأكثر فخامة حتى الآن، والتي تصور عناصر البذخ والجلال في منتصف القرن التاسع عشر.

  • خلفية

طلبت بيتي روتشيلد من إنجرس، أن يرسمها لأول مرة في عام 1841 عندما كان مطلوباً بكثرة رسام بورتريه، وبخاصة من النبلاء، وبعد أن قابلها إنجرس في المتنزه واكتشف جمالها وملامحها الساحرة وافق على رسمها.
استمر إنجرس في رسم بورتريه للسيدة روتشيلد لمدة ست سنوات، ففي كل مرة كان يقوم برسمها، يكتشف أن صورتها لم تكتمل، وكان في كل مرة يتوقف عن الرسم ويستغرق في رسم عمل آخر ثم يعود لإكمال صورة روتشيلد، وفي إحدى المرات وقد أوشك على إنهاء اللوحة توقف ليرسم صورة للراحل فرديناند فيليب هنري دوق دورليانز الذي قتل في حادث عربة في عام 1842.
في 1844 بدأ بداية جديدة في رسم «روتشيلد» وفي يونيو 1847 كتب: «بالكاد انتهيت من رسم دي روتشيلد، وبدأت مرة أخرى بشكل أفضل، واكتملت اللوحة عام 1848».
في اللوحة ترتدي روتشيلد فستان سهرة وردياً من الساتان، مع صفوف مكشكشة من الدانتيل عند الحاشية، وعلى الياقة والأكمام، وهي مزينة بأقواس من الشريط. شعرها مفرود على أذنيها، وهي ترتدي غطاء مخملياً أسود، وتجلس على أريكة حمراء مخملية، وذراعيها يتقاطعان مع قدميها في جو من الاسترخاء، لقد استحوذت السيدة على خيال إنجرس فأنجزها في صورة فائقة الجمال كما لو كانت تحضر حفلة مع الأصدقاء.
حرض إنجرس على إجلاس السيدة روتشيلد في وضع منخفض ليلائم المستوى التصويري، على الرغم من أن ذلك يتعارض مع المكانة التي تمثلها، وقد ظهرت «روتشيلد» في هيئة زاهية من في النقوش، حيث يظهر شعار النبالة في أعلى يمين اللوحة. ويهيمن على الصورة عنصران رئيسيان: رداء الساتان الأحمر الفاتح، وسحر تعبيرات وجهها البيضاوي، وقد حرص إنجرس على إظهارها كما لو أنها تحدق في الناظر أو المشاهد، وقد اشتغل بقوة على إبراز الصورة من خلال جاذبية مظهرها ولباسها، وخفف ما أمكن من حدة اللون البني في خلفية الصورة التي بدت خافتة ولكن متزنة.

  • استقرار

بعد سنوات استقر إنجرس على ما يبدو على التكوين الأساسي لصورة روتشيلد، كان ترتيب الجزء العلوي من جسم روتشيلد مستوحى بشكل جزئي من بورتريه الفنان السويسري جان إتيان ليوتارد» لويز دي إبيناي (1759)، هذه اللوحة التي عرف عن إنجرس أنه كان معجباً بها بشكل خاص.
لاحظ العديد من النقاد استخدام إنجرس غير المعتاد للضوء في هذا العمل، فكانت الظلال على فستانها تبدو أكثر ملاءمة وبساطة من بقع القماش المضاءة والظاهرة بقوة في الرداء، وعادة لا يلتزم إنجرس بالتمثيل الصحيح أو تشريح الأجزاء المرئية من الجسد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdw46dfa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"