الحرب الأخرى الخفية

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

على الجانب الآخر من المواجهات العسكرية في حرب أوكرانيا، كانت هناك جبهة أخرى موازية تدور فيها «حرب خفية»، وهو الوصف الذي أطلقته عليها صحيفة «واشنطن بوست». وقد سعت مصادر بحثية سياسية وإعلامية عديدة للنفاذ إلى الخطوط غير المرئية من تلك الحرب الأخرى، والتي حجبت صورتها عن العالم.
 هناك «موقع باريس العالمي» ويقول: إذا كانت المواجهات الظاهرة للجميع هي التي تجري بين القوات الروسية والأوكرانية، فإن هناك حرباً أخرى ومستمرة، ومنفصلة عن الأولى.
 وبالعودة إلى البدايات منذ ما قبل غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، نجد صحيفة «واشنطن بوست» تروي أحداثاً واقعية ومثيرة، عمّا وصفته بنضال أمريكا لإقناع الحلفاء، وكذلك رئيس أوكرانيا زيلنيسكي بخطورة الغزو المتوقع من روسيا لبلاده.
 وطبقاً لروايتها لهذه الأحداث قالت: في صباح يوم مشمس قبل 24 فبراير/ شباط، تدفق حشد من كبار رجال المخابرات، والقادة العسكريين، والدبلوماسيين على البيت الأبيض، لاجتماع عاجل مع الرئيس جو بايدن، وجلسوا يستمعون إلى تحليل مخابراتي سري، مرفق به معلومات حديثة من صور للأقمار الصناعية، واختراق لاتصالات جرت بين مصادر بشرية، عن خطط عسكرية للرئيس الروسي بوتين للهجوم أوكرانيا.
 وخلال بضعة أشهر بعد ذلك ظل المسؤولون في إدارة بايدن يراقبون عن كثب حشد بوتين لقواته على حدود أوكرانيا. وبينما كانت الشهور تمر كان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي يركز الجهود من أجل التوسع في الدور الذي ستلعبه أجهزة المخابرات في هذه الحرب، وذلك في جلسة بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، ومحذراً مما ستقوم به روسيا. وأعقبت تلك الجلسة عدة جلسات حول أوكرانيا، عرضت فيها صورة تفصيلية للدور الذي ستلعبه أجهزة المخابرات. وكان حاضراً فيها الرئيس بايدن، ووزيرا الخارجية والدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، وقادة جهازي المخابرات المركزية، والمخابرات الوطنية.
 وتركز اهتمام أجهزة المخابرات على كيفية النفاذ مخابراتياً، إلى عمق القيادة الروسية سياسياً وعسكرياً، إضافة إلى تجهيز قوات حلف الناتو حول كيفية التعامل مع روسيا.
 بعد ذلك ومع اشتعال المعارك، صارت أوكرانيا قادرة على استخدام مصادر المعلومات الأمريكية، لتحديد مواقع الأهداف الروسية، ما يساعدها على وضع خطط لهجوم مضاد.
 وحسب ما نشر في واشنطن للكاتبين جوليان بيرنز، وهيلين كوبر، فإن كبار المسؤولين في أوكرانيا، قد زاد اعتمادهم على المعلومات المخابراتية، بالتعاون مع نظرائهم الأمريكيين خلال أشهر الصيف. وبدأوا في التخطيط لهجوم مضاد يمكنهم من تحقيق مكاسب مثيرة للاهتمام، وهو ما ذكره مسؤولون أمريكيون، استناداً إلى معلومات دقيقة ومهمة زودتهم بها الولايات المتحدة حول نقاط الضعف في الجهة الروسية، وظلت الولايات المتحدة طوال فترة الحرب تزود أوكرانيا بمعلومات عن مواقع القيادة، ومستودعات الذخيرة، وأي ثغرات في الخطوط العسكرية الروسية.
 وكانت تلك المعلومات باعتراف الأمريكيين- هي التي مكنت أوكرانيا من تنفيذ عمليات حاسمة في التخطيط والتنفيذ لاستهداف القوات الروسية.
 ثم كان عنوان: «الحرب المتأرجحة: المخابرات والحرب في أوكرانيا»، للباحثين فيليب ريفيز، وكريستيان جاستافون، وهما من خبراء علوم المخابرات والدفاع بجامعة برونيل في بريطانيا، ويقولان إن الخطوات التي اتخذتها أمريكا وبريطانيا، وبعض دول أوروبية صغيرة، في مجال استخدام المعلومات التحذيرية للمخابرات قد سمحت للدول الغربية بمواجهة روسيا، ودعم أوكرانيا حتى من قبل الهجوم الروسي.
 لم يكن دور المخابرات على الجبهة الخفية للحرب قاصراً على الأداء القتالي، لكنه كان يستهدف شخص الرئيس بوتين أيضاً على وجه الخصوص. وهو ما جاء ضمن تحليل لمطبوعة استعراض الناتو Nata Review، وجاء فيها إن وكالات المخابرات الغربية لأمريكا وحلفائها حاولت تقويض وضع بوتين، برسم صورة سلبية للوضع الداخلي للرئيس الروسي، وإظهار القوات الروسية على أنها تتكبد خسائر فادحة في المعارك، وإن هناك توتراً سياسياً متزايداً داخل الكرملين.
 إن ما كانت تصوره كثير من قنوات ومراكز الإعلام الغربي، ومن بيانات لمسؤولين كبار عن الحرب في أوكرانيا، هو الوجه المعلن للحرب، بينما في الوقت نفسه يجرى إنزال ستار كثيف يخفى ما كان يدور في الخفاء، من حرب أخرى موازية، وهي حرب لعبت فيها أجهزة المخابرات الغربية، ولاتزال، دوراً تتحدث عنه المعلومات الصادرة من هناك، بالقول إن الولايات المتحدة على وجه الخصوص كانت شريكاً رئيسياً في تلك الحرب المستترة، والتي لعبت الدور الرئيسي والمحوري فيها، أجهزة المخابرات بكل إمكاناتها ووسائلها البشرية، والتكنولوجية، مدعومة بمعلومات وصور الأقمار الصناعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34ep9rma

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"