عادي

تعرّف إلى التحول الأعظم في تاريخ البشرية

23:26 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

«عصر الثورة.. أوروبا (1789 1848)» كتاب للمؤرخ إريك هوبزباوم يتتبع تحول العالم بين هذين العامين، وهو التحول الذي يعزى إلى ما يسمى «الثورة المزدوجة»؛ أي الثورة الفرنسية عام 1789 ومعاصرتها الثورة الصناعية (البريطانية)، ومن ثم فإن الكتاب بالمعنى الدقيق ليس تاريخاً لأوروبا أو للعالم.

حاول هوبزباوم الإشارة إلى البلد الذي تأثر بمضاعفات الثورة المزدوجة خلال تلك الفترة، أما إذا كان تأثير الثورة على البلد آنذاك غير ذي بالٍ، فقد توخّى عدم الإشارة إليه، ومن هنا يجد القارئ شيئاً عن مصر لا عن اليابان، عن أيرلندا أكثر من بلغاريا، وعن أمريكا اللاتينية أكثر من إفريقيا.

ولا يعني ذلك بالطبع أن تواريخ البلدان والشعوب، التي لم يتعرض لها الكتاب الذي ترجمه إلى العربية الدكتور فايز الصياغ، أقل إثارة أو أهمية من تلك التي اشتمل عليها. وإذا كان منظور هذا الكتاب أوروبياً أو بصورة أدقّ فرنسياً بريطانياً في المقام الأول، فلأن العالم أو جزءاً كبيراً منه على الأقل، قد أخذ بالتحول في تلك الفترة بفعل تأثيرات أوروبية؛ بل فرنسية أوروبية في أصولها.

ولا يهدف هذا الكتاب إلى سرد تفصيلي؛ بل إلى التفسير والتأويل، أو ما يسميه الفرنسيون التبسيط والتعميم الراقي، والقارئ المثالي (وفقاً لتعبير إريك هوبزباوم) هو المواطن الذكي المتعلم، الذي لا يسعى إلى إشباع فضوله لمعرفة الماضي فحسب؛ بل الذي يريد أن يفهم كيف ولماذا أصبح العالم على ما هو عليه الآن، وإلامَ سيؤول.

ويرى هوبزباوم أن الكلمات في أغلب الأحيان تنطوي على شهادات أعلى وقعاً من الوثائق. وعلى سبيل المثال في بضع كلمات اخترعت أو اكتسبت معانيها الجديدة أساساً خلال فترة العقود الستة التي يعالجها هذا الكتاب، ومن هذه المصطلحات كلمات مثل الصناعة والصناعي والمصنع، والطبقة العاملة، والرأسمالية والاشتراكية، والليبرالي والمحافظ والسكة الحديدية.

كما نجد مسميات مثل النفعي والإحصاء، ومصطلحات عديدة أخرى مثل الصحافة والأيديولوجيا، وهي كلها كلمات نحتت أو عدلت خلال تلك الفترة، شأنها شأن مصطلحات أخرى من نوع الإضراب والإملاق.

ويقول هوبزباوم: «إذا تخيلنا العالم الحديث بدون هذه الكلمات أدركنا عمق الثورة التي اندلعت بين عامي 1789 و1848، ومثلت التحول الأعظم في تاريخ البشرية منذ العصور المغرقة في القدم، التي اخترع فيها الإنسان الزراعة، وصنع الأدوات المعدنية والكتابة والمدن والدولة، فقد نقلت الثورة العالم بأسره من حال إلى حال، ولا تزال تفعل ذلك».

إن ثورتي 1789 الفرنسية، والثورة الصناعية البريطانية لم تكونا انتصاراً للصناعة بحد ذاتها؛ بل للصناعة الرأسمالية، ولا للحرية والمساواة عموماً؛ بل للطبقة الوسطى وللمجتمع البرجوازي الليبرالي، ولا الاقتصاد الحديث أو الدولة الحديثة؛ بل للاقتصادات والدول في منطقة جغرافية معينة من العالم (هي جزء من أوروبا وأقسام من أمريكا الشمالية).

كان مركزهما يتمثل في دولتين متجاورتين متنافستين هما بريطانيا العظمى وفرنسا، كان التحوّل الذي طرأ بين العامين في جوهره تجسيداً للنهضة التوأم التي انطلقت من هذين البلدين، وانتشرت في مختلف أرجاء المعمورة.

ويشير المؤلف إلى أن تحولاً بهذا العمق لا يمكن فهمه إلا بالعودة إلى ما قبل عام 1789، وهي تعبر عن أزمة الأنظمة القديمة التي سادت العالم الشمالي الغربي قبل أن تكتسحها الثورة المزدوجة، وعلينا أن نلاحظ أن القوى الاجتماعية والاقتصادية والأدوات السياسية والثقافية الساعية إلى هذا التحول كانت مستعدة آنذاك في منطقة هي من الاتساع، بحيث تستطيع أن تُشعل الثورة في أرجاء القارة الأوروبية الأخرى، وعلينا ألا نشغل أنفسنا باستقصاء ظهور السوق العالمية، أو بروز طبقة القطاع الخاص من أصحاب المشروعات الاقتصادية النشطين على نحو كافٍ.

وحيث إن الثورة المزدوجة قامت في جزء واحد من أوروبا، وخلفت فيه آثارها المباشرة في أجلى مظاهرها، فلا مناص من أن يكون التاريخ الذي يتناوله هذا الكتاب إقليمياً في نطاقه. وبما أن الثورة العالمية التي انطلقت من هاتين البؤرتين في إنجلترا وفرنسا، كان لابد من أن تتخذ شكل توسع وغزو أوروبي لبقية العالم، فقد تمثلت أبرز تداعياتها بالنسبة للتاريخ العالمي في ترسيخ الهيمنة على العالم من جانب عدد غير قليل من الدول الأوروبية لا سيما بريطانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3frsrndv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"