رسائل لبنانية مشفرة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

بغض النظر عن القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال اللبنانية في أول اجتماع لها منذ بدء الشغور الرئاسي، والتي لم يتوقف عندها أحد، فإن مجرد انعقادها لم يكن حدثاً عابراً، بقدر ما أحدث هزة عنيفة، انعكست ارتداداتها على مختلف القوى السياسية التي رأى فيها البعض خروجاً على كل القواعد المعمول بها، وجرى خلالها تبادل الكثير من الرسائل السياسية المشفرة.
 من حيث المبدأ، قلب انعقاد الجلسة المعطيات السياسية القائمة، وعلى الرغم من أنها عمّقت الخلافات بين القوى السياسية، فإنها أحدثت تصدعاً في العلاقات بين الحلفاء، وأسهمت في تقريب المسافة بين الخصوم السياسيين؛ ذلك أن القوى السياسية نظرت إليها من زوايا مغايرة؛ إذ عدّتها معركة «كسر عظم»، واستهدافاً وجودياً لها وللشارع الذي تمثله، بينما دفعت فئة أخرى للبحث عن تحالفات جديدة.
 في الرسائل المتبادلة، والتي يمكن فك تشفيرها، لا يمكن تجاهل السجال الذي حدث، أخيراً، بين التيار «الوطني الحر» وأنصار الرئيس السابق ميشال عون من جهة، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول الصلاحيات والتعطيل ورسالة عون إلى مجلس النواب مع انتهاء ولايته إلخ من جهة أخرى، وبالتالي فإن مجرد انعقاد جلسة الحكومة لا يمثل فقط، من وجهة نظر هؤلاء، مخالفة للدستور و«الميثاقية»، وإنما نوعاً من الانتقام السياسي الذي يكرّس القطيعة بين «التيار العوني» وميقاتي وحلفائه. والأسوأ هو أن الجهود التي بذلها التيار «الوطني الحر» لمنع انعقاد الجلسة، فشلت في اللحظات الأخيرة، على الرغم من حشده مسبقاً تسعة وزراء من أصل 24 لمقاطعة الجلسة، وإفقادها النصاب البالغ ثلثي عدد الوزراء. وبغض النظر عن الضغوط التي مورست لإنجاح عقد الجلسة، فإن هذا الانعقاد أصاب تحالف «التيار العوني» مع «حزب الله» في مقتل، باعتبار أن الأخير كان يستطيع، أولاً، منع انعقاد الجلسة لو رفض وزراؤه المشاركة فيها، وثانياً، كونه يعد تراجعاً عن تعهد سابق بمنع انعقاد جلسات حكومية في ظل الشغور الرئاسي، إلا في حالات الضرورة القصوى. لكن يبدو هنا أن ثمة رسائل متبادلة بين الحليفين، فمن جانب يريد «حزب الله» المزيد من الضغط على زعيم التيار «الوطني الحر» حبران باسيل لإقناعه بالموافقة على مرشحه الرئاسي غير المعلن (سليمان فرنجية)، خصوصاً وأن بوادر المنافسة قد تنحصر في النهاية بينه وبين قائد الجيش جوزيف عون، والذي بات يحظى بدعم إقليمي ودولي، فيما لا يزال «الوطني الحر» يرفض الاثنين معاً. ومن جانب آخر، يبدو أن «التيار الوطني» الذي يرى في موقف حليفه السابق نوعاً من الاستفزاز، بات أكثر إصراراً على رفض ترشيح فرنجية، وأكثر انفتاحاً على خصمه اللدود حزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع، الذي اتخذ موقفاً مماثلاً ل «التيار» بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء.
 وخلاصة الأمر أن الأيام المقبلة، قد تشهد إعادة لخلط الأوراق، وظهور تحالفات جديدة، مع بوادر عودة ظهور الحلف الرباعي الذي يضم إلى جانب ثنائي «حركة أمل وحزب الله» الحزب «التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط إضافة إلى ميقاتي وحلفائه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ys9ykb77

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"