عادي

ظاعن شاهين.. عاشق الزهيري

23:15 مساء
قراءة 4 دقائق
1
  • يكتب مختلف أشكال القصيدة العربية

يوسف أبولوز
هي ظاهرة شعرية بالفعل تلك القائمة الآن في خريطة الشعر الإماراتي الحديث، والمتمثّلة في جمع الشعراء الإماراتيين بين الشعر النبطي أو الشعبي، والشعر الفصيح، والأسماء كثيرة: أحمد راشد ثاني، سالم بوجمهور، أحمد العسم، وظاعن شاهين (دبي 1961)، وقبل رسم صورة موسّعة حول هذا الشاعر الذي يجمع بين العمودي والتفعيلي أيضاً، تجدر الإشارة إلى بعض شعراء قصيدة النثر في الإمارات الذين يكتبون النبطي والشعبي، وهو أمر ربما يتوقف عنده نقاد الشعر الحديث بشكل خاص متسائلين.. كيف لشاعر قصيدة نثر يُفترض به أن يقف على أقصى يسار الكتابة الشعرية الجديدة أن يكتب قصيدة شعبية أو نبطية؟، وعلى أية حال فإن الجمع بين النبطي والفصيح وقصيدة النثر تقف خلفه أسباب عدة لعلّ أبرزها طبيعة البيئة الثقافية والشعرية والاجتماعية في الإمارات؛ حيث يقال الشعر في هذه البيئة بالفطرة، سواء من النساء أو الرجال كشكل من أشكال التميز الثقافي الذي يطبع هذه البيئة المحلية بطابع الشعر بشكل خاص، وبهذه الرؤية تأتي القصيدة النبطية سابقة على قصيدة النثر، بمعنى أن شاعر قصيدة النثر يكتب أولاً النبطي أو الشعبي، ومن ثم ينتقل إلى قصيدة النثر من دون أن يجد أي تناقض في هذا الانتقال أو في هذا الجمع العفوي والتلقائي بين شعرين روحهما واحدة، وإن اختلفت الأشكال والأوزان واللغة.

ظاعن شاهين لا يكتب قصيدة النثر بالمعنى المنتظم للكتابة؛ بل، يكتب العمودي والتفعيلي، إلى جانب كتابته للشعر الشعبي، وسوف يهتم بشكل خاص بفن «الزهيري»، والزهيري نسبة إلى رجل اشتهر بهذا النوع من الشعر الذي يغنّيه البحّارة على شكل موّال، واسمه: مُلّا جادر الزهيري، غير أن باحثي الشعر النبطي ينسبون الزهيري إلى «عائلة من السعودية تدعى آل الزهير استوطنت منطقة الزبير في العراق..» بحسب الباحثة خالدة النوفل، وللزهيري أوزان وإيقاعات وبحور خاصّة به تميّزه عن غيره من الشعريات الشعبية التي تقال في بيئتي البرّ والبحر.

اهتمام

المهم هنا اهتمام ظاعن شاهين بهذا الفن الشعبي الإماراتي والخليجي عموماً، وشخصياً، أرى أن اهتمام ظاعن بهذا الشعر يعود إلى نوع من الحنين الشخصي والثقافي الذي يسكن هذا الشاعر المولود أصلاً في أفق ثقافي مائي أو بحري، فعرفت روحه الشعر بمكوّناته الشعبية والفصيحة، فينشر مجموعته الأولى (آية الصمت) في عام 1990، ثم تتوالى مجموعاته الشعرية: (اتهجاك حلماً) في عام 1997، و(ما لم تقله الرّيح) 2007، وإلى جانب الشعر ظل شاهين قريباً من الأفق الثقافي الشعبي الذي أرى أنه يعده جذراً أصيلاً في تكوينه الثقافي والأدبي، فأنجز قراءات متخصصة في النبطي من بينها: (فضاء الإبداع في أشعار فزاع)، و(نقوش على أبواب النبط).

الصورة الثانية المهنية في شخصية ظاعن شاهين هي حرفيته الصحفية منذ أن اختار بلاط صاحبة الجلالة في عام 1984، لقد بقي صحفياً ناجحاً وملتزماً بثقافة المهنة، وفي الوقت نفسه لم تسرق منه هذه المهنة شعريته الأصيلة؛ بل إنه وثّق لتاريخ الصحافة في الإمارات في بحثه المهني أيضاً «الصحافة في الإمارات - من الروّاد المؤسسين إلى القادة المؤثرين» وصدر في عام 2017، وحين نشير إلى ظاعن شاهين الصحفي، يجدر بنا الإشارة في الوقت نفسه إلى عمله في الصحافة الثقافية الإماراتية في وقت كانت فيه المؤسسات الإعلامية والصحفية في بداياتها التي تحتاج إلى كوادر إماراتية بالدرجة الأولى، وأيضاً بدأت في الثمانينات والتسعينات تتشكّل الدوائر والمؤسسات الثقافية المتخصصة - في قطاع الأدب والفنون والكتابة الإبداعية عموماً، وفي ذلك الأفق الثقافي الحيوي الثمانيني والتسعيني ينشط ظاعن شاهين بقلميه: الصحفي والثقافي - ويكرّس له اسماً محترماً في محيطه المحلي والخليجي والعربي مشدوداً دائماً إلى روح الشعر.

ظاعن شاهين حاضر في - كيانات وأطر ومؤسسات ثقافية نشطة في مجالها إماراتياً وعربياً، ويقرأ شعره في المناسبات الأدبية من مهرجانات أو ملتقيات ذات طابع رفيع التنظيم والمستوى، وله دور ثقافي - ملحوظ في الأعداد الأولى من مجلة «شؤون أدبية» الصادرة عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في عام 1985، وقد كان لكاتب هذه السطور شرف الانضمام إلى هيئة تحرير تلك المجلة الأولى الثقافية الإماراتية العربية التي تصدر عن الاتحاد، وتستقطب العديد من الأقلام العربية والخليجية بانفتاح حرّ ومستقبلي على الحداثة والأصالة والتراث والمعاصرة؛ وإذ أذكر هذه الملاحظة، فلكي أشير ومن باب الوفاء وقول كلمة حق - إلى ذلك الشباب الحيوي الذي كان يتمتع به جيل ثقافي إماراتي إلى جانب العشرات من الكتّاب العرب - المقيمين في الدولة بعضهم لا يزال في البلاد حتى الآن، وكان ظاعن شاهين اسماً حاضراً دائماً في تلك الحالة الثقافية الإماراتية والعربية - بخلقه الرفيع دائماً والذي مرة ثانية يلتقي مع شعريته الشفافة.

البعض من جيل ظاعن شاهين الثقافي أو الشعري اتجه إلى كتابة الرواية (كريم معتوق)، والبعض جمع الفن التشكيلي (الرسم) إلى الكتابة، ترك الشعر واتجه إلى السينما (مسعود أمر الله)، والبعض ترك الشعر واتجه إلى المسرح (مرعي الحليان)، وهي انتقالات أو قل (هجرات) طبيعية أو منطقية قائمة وموجودة عند شعراء وفنانين وكتّاب عرب ومن العالم، في حين يظل كتّاب وفنانون آخرون في - إطار خياراتهم الأدبية أو الإبداعية التي رأوا أنها تحقق - ذواتهم الشخصية والثقافية، وأرى هنا أن الشعر كان خيار ظاعن شاهين وحده.

كما أشرنا من قبل الشعر وحده. شعر النبط والشعبي، وشعر الفصيح، مع الإشارة دائماً أن شعرة بسيطة تكاد لا تُرى بين أوزان الفصيح وأوزان الشعبي، ويقال عند البعض خطأ إن هذه الأوزان تتطابق في الشعرين الشعبي والنبطي، لكن الحقيقة أن لكل شعر أوزانه، ويقال أيضاً إن بلاغة الفصيح من حيث اللغة موجودة في الشعبي أو النبطي، وأن بلاغة الشعبي من حيث اللغة موجودة في الفصيح. الشاعر ظاعن شاهين يعرف هذه المعادلات جيداً. يعرف أن الشعر خيار وروح ومعنى وتاريخ وذاكرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fdd8bxm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"