«المحرّمات النووية» من الماضي

01:40 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا يزال خطر استخدام السلاح النووي ماثلاً، في ظل توترات عالمية في أكثر من جبهة، إلا أن الأشد خطراً هي الحرب الأوكرانية التي يبدو ألاّ أفق لوقفها، والتي أدخلت العالم في نفق مظلم لا يظهر إلى الآن في آخره أي بصيص أمل، مع تصعيد الأطراف القتال لإلحاق كل منهما الهزيمة بالآخر مهما كانت الأثمان.

هذا الصراع المتفاقم دفع روسيا إلى رفع مستوى تهديداتها، لمواجهة «الحرب العالمية» التي تشن عليها في الأراضي الأوكرانية، وحذرت في سياقها من الانزلاق نحو حرب نووية قد تكون قاب قوسين أو أدنى.

حديث بوتين الذي قال فيه: «إن خطر اندلاع حرب نووية يتصاعد» ليس عبثاً، فهو يأتي بناء على معطيات تشير إلى أن التطورات الميدانية المتسارعة قد تكون فتيل القنبلة الذرية، لكنه في الوقت ذاته أكد «أن روسيا تعتبر الأسلحة النووية وسيلة للدفاع، وأن بلاده لن تبادر إلى استخدامها إلا رداً على ضربة عدوة محتملة تطال أراضيها»، في حين قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي: «إن موسكو ستلتزم بتعليق نشر الصواريخ النووية متوسطة المدى في أوروبا، ما دامت الولايات المتحدة لم تنشر مثل تلك الأسلحة في أوروبا أو آسيا».

هذه التصريحات مؤشر على أن موسكو غير متيقنة من نوايا الغرب الذي يسابق الزمن لحصرها في نطاقها الجغرافي فقط، وتقليصها إلى قوة إقليمية وتحطيم طموحاتها بالصعود كقطب يزاحم الكبار، لذا فإن التطرق للمسألة النووية قد يكون تذكيراً من روسيا لأعدائها، بأنها تملك ما يدمر من يسعى لإنهائها، كما تبعث رسالة لداعمي أوكرانيا أنها ستحقق عاجلاً أو آجلاً نصرها، وأن خيار الهزيمة غير موجود في قاموسها؛ لأن إفشال حربها بالنسبة إليها يمثّل تهديداً وجودياً يستدعي استخدام كل شيء لمنعه.

لكن المستشار الألماني شولتس له رأي آخر؛ إذ اعتبر أن خطر لجوء موسكو إلى السلاح النووي إثر معاركها في أوكرانيا تضاءل؛ لأن المجتمع الدولي «رسم خطاً أحمر» لروسيا على هذا الصعيد، لكنه أكد في المقابل أنه مستعد لنقاش الحد من التسلح في أوروبا، على غرار فرنسا التي اقترحت تقديم ضمانات أمنية لروسيا مقابل إنهاء الحرب.

الدولتان الأكبر في القارة العجوز (ألمانيا وفرنسا) تستبعدان لجوء روسيا إلى النووي، لكن هذا الرهان ليس لأن أوروبا استطاعت قص الأجنحة الروسية؛ بل ربما لاقتناعهما بأن «الدب» قادر على حسم المعركة لصالحه مهما طال الزمن، إضافة إلى يقينهما أن أوروبا لن تتورط في صراع مباشر، أو حتى المضي قدماً في كسر شوكة روسيا، فهما يسيران نحو احتوائها كي لا تتدحرج الأمور للأسوأ.

مفهوم «المحرّمات النووية» بشأن عدم استخدام السلاح الذرّي يتزعزع الآن؛ إذ إن هذا السلاح أصبح حاضراً على الطاولة، وثمة مخاوف حقيقية من استخدامه، فالدول النووية تمضي بقوة نحو تعزيز ترسانتها كالصين وكوريا الشمالية وفرنسا، في وقت تستعين فيه اليابان وكوريا الجنوبية بالقوة الأمريكية.. ليكون أمن العالم رهن «الأزرار النووية» لهذه الدول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2475kfuz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"