مؤتمر الأطراف من أجل العمل

21:18 مساء
قراءة 3 دقائق

توني بلير *

بعد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 26» الذي عُقد في غلاسكو العام الماضي، أخذت مصر زمام المبادرة من المملكة المتحدة وجمعت الأطراف في «كوب 27»، الذي تم الترحيب به على نطاق واسع لسببين، أحدهما أنه يُعقد في إفريقيا للمرة الأولى، والثاني أنه من المنتظر أن يكون «مؤتمر الأطراف من أجل العمل». ومن الواضح أن هذين المفهومين، اللذين يقدمان حلاً عملياً للمناخ ويضعان إفريقيا في قلب النقاش العالمي حوله، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً.

بحلول عام 2050، سيكون ربع سكان العالم من الأفارقة، وبالتالي ستزداد متطلبات الطاقة والتنمية لديهم بشكل أسرع من أي مكان آخر. وعليه فإن معاملة إفريقيا والعالم النامي كشركاء حقيقيين هو شرط أساسي لجعل العمل الفعال بشأن تغير المناخ حقيقة واقعة.

من واقع خبرتي، فإن قادة البلدان النامية ملتزمون بمكافحة تغير المناخ مثل أي زعيم في العالم المتقدم. لكنهم يواجهون أيضاً مهام محلية عاجلة مثل تصنيع اقتصاداتهم، وتحويل قطاعاتهم الزراعية لإطعام السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة، وتوفير فرص العمل لشبابهم.

إنهم يريدون متابعة هذه الأهداف بطرق تتماشى مع تكاتف العالم لوقف تغير المناخ. لكن لا يتوقع منهم أن يفعلوا ذلك على حساب تنمية بلادهم الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن مدى قدرتهم على إزالة الكربون أو الاستغناء عن الوقود الأحفوري سيتم تحديده من خلال القرارات التي يتخذونها محلياً، والدعم الذي يتلقونه من البلدان المتقدمة مالياً وتقنياً إضافة إلى الانفتاح على الأسواق العالمية.

المطلوب اليوم، وباعتقادي أنه يمكن اعتباره الإرث الدائم لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين، هو إجماع جديد بين البلدان المتقدمة والعالم النامي. في صميم هذا الفهم، يجب أن تعترف البلدان الغنية المسؤولة إلى حد كبير عن التسبب في أزمة المناخ، أن الأهداف الإنمائية للبلدان الفقيرة غير قابلة للتفاوض، وتطلعات شعوبهم مشروعة، وهم يستحقون دعمنا في السعي وراءها.

الركيزة الأولى لهذا الإجماع الجديد تشمل البلدان الأكثر ثراءً التي تعمل مع البلدان في العالم النامي لصياغة خطط وطنية مخصصة لانتقال الطاقة تكون قابلة للتطبيق تقنياً وقابلة للحياة مالياً ومقبولة سياسياً.

لقد عملت مؤسستي، معهد توني بلير للتغير المناخي، بالفعل مع العديد من البلدان، بما في ذلك إندونيسيا وموزمبيق ونيجيريا، بشأن مثل هذه الخطط، وآمل أن يصبح اعتمادها هو القاعدة في السنوات المقبلة. ومن المحتمل أن يكون النهج الأقل تعاوناً، مثل محاولات الحكومات الغربية فرض خطط انتقالية، إما بشكل صريح أو عن طريق تقييد الخيارات الاستثمارية للدول «كتمويل الغاز» غير فعال، إن لم تكن له نتائج عكسية.

أيضاً، نحن بحاجة إلى البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء لإجراء الإصلاحات اللازمة لتدفق الاستثمار إلى مشاريع الطاقة السليمة والمستدامة. ويجب على الدول المتقدمة أن تفي بتعهداتها المالية، وأن تكون صريحة بشأن الشروط التي يتم تقديمها. لكن للأسف، لم يكن هذا هو الحال دائماً في السنوات الماضية، مما أدى إلى تدهور الثقة بين قادة البلدان الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على وضع خطط لاحتياجاتهم المستقبلية من الطاقة من دون دعم مالي موثوق.

بدورها، تحتاج البلدان النامية إلى تطوير أنظمة حكم أقوى للتأكد من استخدام التمويلات بشكل جيد، وإنشاء مجموعة من المشاريع القابلة للاستثمار. وتعلمنا في معهد توني بلير للتغير العالمي ألا نقلل من أهمية وجود حكومة قوية وفعالة في تأمين استثمارات كبيرة في أي قطاع رئيسي من الاقتصاد، وسيتعين علينا إحراز تقدم في السنوات المقبلة بشأن هدف جديد لتمويل المناخ، والذي عليه أن يتماشى مع كافة الاحتياجات، مع التركيز أكثر على البلدان النامية كما جرت العادة.

مثلما هو الحال مع أي مشكلة سياسية معقدة اليوم، يحتاج القادة حول العالم إلى الاعتماد على التكنولوجيا. ففي جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية، تمتلك التكنولوجيا القدرة على تسريع الحد من الانبعاثات وتزويد البلدان النامية بمسار نحو التنمية الاقتصادية المستدامة. والهيدروجين، وتقنيات التحسين الرقمي، والوقود الحيوي، واحتجاز الكربون، كلها تقنيات تبشر بالخير، ويجب توسيع نطاقها وبسرعة.

هناك الكثير مما يتعين القيام به لخلق أسواق يمكنها طرح هذه التقنيات على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، تمتلك إفريقيا 60% من أفضل موارد الطاقة الشمسية في العالم، لكن في المقابل لديها 1% فقط من السعة الكهروضوئية المركبة. وبالتالي يمكن أن تساعد الخطط الشاملة في تحويل الطاقة لمعالجة هذا التناقض الصادم.

إن التوصل إلى إجماع جديد في قمة واحدة لمؤتمر الأطراف لن يكون أمراً سهلاً، لكن مع ذلك، يمكن اتخاذ خطوات حيوية، وربما حاسمة، من مخرجات مؤتمر مصر، قبل تسليم العهدة إلى الإمارات العام المقبل، حيث سيجتمع قادة العالم في «كوب 28».

* رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ورئيس معهد توني بلير للتغير العالمي «بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3prjhwxa

عن الكاتب

رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ورئيس معهد توني بلير للتغير العالمي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"