متى يوثق الرواد؟

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كلما سمعت عن إنتاج ثقافي سيتحدث عن أحد قامات الإبداع، الثقافة، والفن في الدولة تحمست لاقتناء هذا العمل الذي يتخيله عقلي مثرياً، لدرجة الانبهار بقصص البدايات، التحديات، التفوق، التفرد، الإبداع، دورس التعلم، والانتقال من مكان لمكان من أفق لآخر، في رحلة العمر التي أخذت عقوداً ليولد لنا اسم يستحق أن يقال عنه مؤثر ثقافياً، رائد فنياً، مبدع أدبياً، إلخ.
اليوم ونحن نودّع بين حين وحين أحد قامات الثقافة والفنون في دولتنا أتساءل متى تصبح العملية التوثيقية صادقة وحقيقية في بعدها الإثرائي والمتفحص لتجارب أسماء نحتاج أن يخلدها التاريخ، على سبيل المثال لا التحيز أو نسيان البعض: محمد المر، الفنان القدير عبدالقادر الريس، الفنانة نجاة مكي، الوالد إبراهيم بوملحة، الشاعر عارف الشيخ، الفنان عبدالرحيم سالم وغيرهم؟. فقدنا منذ سنوات قليلة عدداً لا بأس به من الشعراء، الفنانين، واليوم نحن نكاد نفتقر لمعرفة الكثير عن هؤلاء الذين أثروا في الحركة الثقافية في دولتنا، نعم نرى أعمالهم، وصلوا للعالمية، أسماؤهم بصمة، وفي التاريخ ولكن، هل ننتظر رحيل أحدهم حتى نشيد حفلات الرثاء الخاوية حتى من معرفة التفاصيل؟
إن التوثيق الذي أتحدث عنه، هو رحلة سنوات وليس تجميع مادة من أماكن مختلفة وإدراجها مع الصور في صورة تنسيقية تصميمية جميلة، وطباعتها في مجلد أنيق لنقول هذا كتاب «فلان»، فلان ليس نتاج يوم ويومين، وإن لم نبدأ قريباً فنحن سنخسر مدارس مهمة ورجالات ثقافية فنية لن تتكرر. أحياناً قد تكون هناك مبادرات فريدة من أصحاب الإبداع أنفسهم، ولكن تموت في البحث عن داعمين وممولين مادياً، فهل رصدت مؤسساتنا الثقافية هذه المشاريع وفرغت لها المتخصصين الذين يعايشون تجاربهم ويرسمون ملامح التأريخ الصحيح؟
في أحد المعارض مررت بدار، رأيت مجلداً يحمل 4 أسماء جميلة، تفاءلت وفرحت، فتحت أحد الكتب لشخصية أعرف جزءاً من حياتها، فلم أجد سوى صور ولوحات كتبت عليها جمل سطحية، فقلت: خسارة المصاريف التي وضعت في طباعة مثل هذا المجلد!! نحن -المتعطشين للمعرفة- لا تكفينا أقلام بسيطة تجعل من العملية تحصيلاً حاصلاً دونما وعي بأن الصعوبة تكمن في أن إخراج عمل إبداعي عن أحد الرواد ليس حالة سهلة، فهو عملية مرهقة لتفريغ تاريخهم، فوجب أن يكون المؤرخ أو الكاتب أيضاً حالة إبداعية متمكنة فكرياً وتحليلاً وتنظيمياً، حتى يستطيع أن يحث مَن هو أمامه لأن يدخل معه هذه التجربة التي هي في الواقع مرآة تعيده لأزمنة للوراء، للحياة الأولى، وشعلة الانتباه لحالة التفرد التي ملكها ومن ثمّ غذاها، هذه رسالة كررتها أكثر من مرة في سنوات قليلة، يقرؤها البعض ولربما يصفق ولكن أرض الواقع لا تزال شحيحة وخالية. لله دركم، هل سنبكي قريباً أحدهم ولا نجد عنه ما يشفي القلب المتعطش للمعرفه؟ روادنا زاد، ومكتبتنا الثقافية أمانة فأحسنوا إلى الأجيال القادمة بأن تحسنوا لمن هم على قيد الحياة اليوم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt94akn7

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"