الصين.. الاقتصاد لا السياسة

01:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض يوم 7 من هذا الشهر، وهو محاط باهتمام الإعلام في كل مكان، ثم وهو يصف زيارته بأنها: «أكبر وأهم نشاط دبلوماسي لبلاده مع العرب».

وعلينا أن نلاحظ في حديثه شيئين يجب ألا يفوتا على أحد منا، أولهما أنه يتحدث عن أكبر وأهم نشاط دبلوماسي لبلاده مع العرب، مع أن زيارته هي للعاصمة السعودية فقط، وليست زيارة إلى عدد من العواصم العربية، ولا هي جولة ممتدة في بلاد العرب.

والسبب طبعاً في وصف زيارته هكذا، أن الزيارة شهدت ثلاث قمم، فكانت هناك قمة سعودية - صينية، وكانت إلى جوارها قمة خليجية - صينية، وكانت إلى جوارهما قمة عربية - صينية، وهذه ضمت العديد من القادة العرب مع الرئيس جين بينغ.

وعندما تكون الزيارة على هذا المستوى، وبهذا الحجم، فهي زيارة صينية إلى أرض العرب، وليست زيارة إلى أرض المملكة في حدودها الجغرافية التي نعرفها.

والشيء الثاني الذي سيكون علينا أن نلاحظه، أن الرئيس الصيني كان يقصدها وهو يصف هذا النشاط الأكبر والأهم في زيارته بأنه «دبلوماسي».. ولو شاء لقال إنه «سياسي».. وكان قادراً على أن يقولها لو أراد.

هو يقصدها قطعاً لأنه ولأننا نعرف أن هناك فرقاً بين أن يوصف نشاط ضخم من نوع ما جرى في الزيارة بأنه نشاط دبلوماسي، وبين أن يوصف بأنه نشاط سياسي.. والهدف طبعاً هو حرص الصين على ألا تستفز طرفاً آخر، وخصوصاً إذا كان هذا الطرف هو الولايات المتحدة.

ولا بد أن الرئيس الصيني قصد أن يصف زيارته على هذا النحو، وفي ذهنه ما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قاله في أثناء زيارته إلى المنطقة في منتصف يوليو/تموز من هذه السنة، وهي الزيارة التي بدأها من إسرائيل، ماراً بالضفة الغربية، ومنتهياً إلى جدة، حيث انعقدت وقتها قمة عربية - أمريكية.

وعندما كان سيد البيت الأبيض في طريقه إلى المنطقة في ذلك الوقت، راح يتحدث عن أن بلاده قد عادت إلى منطقتنا، وأنها استدركت خطأ كانت قد وقعت فيه، حين صرفت كل جهدها إلى منطقة جنوب شرق آسيا، ولم تمنح منطقة الشرق الأوسط الاهتمام الواجب بها.

ولم يجد بايدن حرجاً في أن يسمي الصين، وهو يتكلم عن عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، ولا وجد حرجاً في أن يسمي روسيا كذلك.. وفي الحالتين كان يقول إن واشنطن تريد أن تكون حاضرة في القلب من هذه المنطقة من العالم، وأن غيابها عنها كان خطأ لا بد من استدراكه، وأن زيارته خطوة على طريق هذا الاستدراك، وأن إدارته سوف تراعي هذا وتعمل على أساسه في المستقبل.

وهذه المعاني وصلت بكين بالطبع في وقت الزيارة، لكن لأنها لا ترغب في مواجهة مع واشنطن، فإنها أرسلت هذه «الإشارات» من خلال حديث الرئيس جين بينغ عن أن زيارته، إذا كانت ستشهد هذا النشاط كله على مستوى القمم الثلاث، فهو نشاط دبلوماسي في لحمه وفي دمه، وليس من الجائز تصنيفه على غير هذا الأساس، ولا تأويله بما ليس فيه، ولا أخذه على محمل آخر.

الصين تركز على الشأن الاقتصادي أكثر مما تركز على سواه، وهي تفعل ذلك في هدوء، ودون أن تسمح لأحد باستدراجها إلى ما لا تحبه، أو إلى ما يشغلها عما تركز فيه.. إنها تفعله عن وعي بأن هذا أوان الاقتصاد بالنسبة لها لا أوان السياسة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypahs377

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"