إفريقيا وتنافس الشراكات الدولية

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الأيام الثلاثة الماضية في واشنطن 45 رئيس دولة وحكومة إفريقية، في خطوة تهدف إلى تأسيس شراكة غير مسبوقة بين الولايات المتحدة والقارة السوداء. وصرح بايدن قبيل انعقاد هذه القمة بأن هذه القمة «سوف تظهر التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه إفريقيا، وزيادة التعاون معها في الأولويات العالمية المشتركة». وقبل يوم واحد من انعقاد هذه القمة، بدأت عروض الإغراءات والمزادات الأمريكية للقادة الإفريقيين في مسرحية من الغزل غير المسبوق، بدأت بالإعلان على لسان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي بوعود أمريكية بتقديم 55 مليار دولار مساعدات للقارة الإفريقية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ثم الإعلان عن تعيين السفير «جوني كارسون» نائب وزير الخارجية الأمريكية الأسبق للشؤون الإفريقية، ممثلاً أمريكياً للقارة الإفريقية، في خطوة تؤكد وجود تحول حقيقي في الإدراك الأمريكي لمكانة القارة السوداء ضمن منظومة المصالح والأمن الأمريكيين.
 لم يتوقف الأمر على ذلك؛، بل حرص سوليفان على إظهار أن هذه القمة تختلف عن أية قمة أخرى مشابهة، فهي تضم عدداً كبيراً من القادة الأفارقة ومسؤولي المجتمع المدني، ورجال الأعمال، إضافة إلى تمثيل للمرأة والشباب، لكن ما هو أهم هو التحرك الأمريكي نحو إفريقيا في اتجاهين غير مسبوقين؛ الأول، تأكيدات أمريكية بأن الرئيس بايدن سيعلن دعمه لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى «مجموعة العشرين» عضواً دائم العضوية، وقال سوليفان: «لقد حان الوقت لإفريقيا للحصول على مقعد دائم على طاولة المنظمات والمبادرات الدولية ومنها التزامه بإصلاح مجلس الأمن وحصول إفريقيا على مقعد عضو دائم في مجلس الأمن».
 سوليفان كان حريصاً فى ذات الوقت على أن يكشف أن هذا التوجه الأمريكي ليس نابعاً من فراغ؛ بل هو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية وبالذات الجزئية الخاصة بالتحالفات والشراكات الأمريكية عام 2022، حيث أشار إلى أبرز تلك الشراكات الأمريكية التي تأتي الشراكة الإفريقية جزءاً منها، وخاصة «القمة الرباعية» و«شراكة الكواد» ثم «قمة حلف الناتو»، ثم «قمة مجموعة السبع» و«قمة مجموعة العشرين» و«قمة أبيك» للتعاون بين دول الهادئ مع جنوب شرق آسيا.
 الواضح من كل هذه العطاءات الأمريكية غير المسبوقة أنها ليست مجرد «مبادرات أخلاقية» أو «تعويضية» عن سياسات أمريكية شديدة السوء في العقود الماضية نحو إفريقيا، أو أنها لمجرد تطوير التجارة والاستثمار وفتح الأسواق، لكنها وعلى حد قول مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الأمريكية تأتي من إطار فهم أن الولايات المتحدة «بحاجة إلى نهج أكثر حداثة للدفاع عن المصالح والحلفاء في إفريقيا في ظل توسع نفوذ كل من الصين وروسيا». وقال هذا المسؤول إن من بين أهداف هذه القمة «تنفيذ استراتيجية أمريكية جديدة بالاشتراك مع إفريقيا جنوب الصحراء تهدف إلى تحقيق استقرار طويل الأمد، وتعميق العلاقات الخاصة في الأماكن التي تحقق فيها روسيا والصين نجاحاً»، موضحاً أن هذه الاستراتيجية الجديدة «ستعيد صياغة أهمية المنطقة لتحقيق مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة».
هكذا تتكشف الصورة، فالقمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت بعد أيام معدودة من القمم الصينية الثلاث الناجحة التي استضافتها المملكة العربية السعودية يومي الخميس والجمعة (8-9/12/2022): القمة الصينية – السعودية، والقمة الصينية - الخليجية، والقمة الصينية - العربية، والتي نظر إليها أمريكياً على أنها قفزة صينية إلى منطقة ذات أهمية محورية للأمن القومى والمصالح العليا الأمريكية.
 نجاحات تلك القمم الثلاث ووعود الرئيس الصيني شي جين بينغ، جاءت جرس إنذار صيني للولايات المتحدة حول قدرة الصين على احتواء مناطق نفوذ أمريكية، وعلى التوسع في التأسيس لشراكات عالمية واسعة من شأنها إضعاف القدرات الأمريكية في إطار التنافس على زعامة النظام العالمي. جدية هذه التحديات تأتي من أن الصين هي الدائن الأول للدول الفقيرة والنامية، وتستثمر مبالغ طائلة في القارة الإفريقية، وكذلك عززت روسيا وجودها في إفريقيا اقتصادياً وعسكرياً، على حساب النفوذ الأمريكي وحلفاء أمريكا الأوروبيين خاصة فرنسا التي تواجه انتكاسات في نفوذها في القارة الإفريقية في الأشهر الأخيرة، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتهاء العملية العسكرية التي تقودها بلاده في منطقة الساحل.
 التوجه الاستراتيجي الأمريكي الجديد لا يستهدف المنافسة فقط مع الصين وروسيا في إفريقيا؛ بل هو منافس أيضاً للسياسات البريطانية والفرنسية التي تسعى هي الأخرى إلى تعميق شراكاتها في القارة الإفريقية، ما يعني أن إفريقيا تعيش هذه الأيام «عصر تسابق الشراكات معها» ويبقى السؤال الأهم: هل هي قادرة على إدارة هذه الشراكات؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2yk9awbs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"