انزعاج غير مبرر

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

كشفت التغطية الإعلامية الغربية، خاصة في الصحافة الأمريكية والبريطانية، لزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية ومشاركته في قمتين خليجية وعربية عن انزعاج غربي، خفّي أحياناً وواضح في أخرى؛ إذ كادت التعليقات والتحليلات والمقالات تجمع على أن «الخليج يتجه شرقاً» وأن السعودية الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة تغيّر توجهها بالتحالف مع الصين، وأن الصينيين ينتهزون الغياب الأمريكي والغربي ليعززوا وجودهم في المنطقة... إلى آخر تلك المقولات.
 ومع أن هناك صراعاً بين الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، مع الصين وإن كان يبدو أقل حدة من صراعهم مع روسيا إلا أن الاستراتيجية الخليجية والعربية لا تعني «الاصطفاف» مع أي من أطراف ذلك الصراع. إنما هي ببساطة تضع مصالحها الوطنية والإقليمية في المقدمة وتبني على أساسها علاقاتها مع الأطراف المختلفة.
صحيح أن الولايات المتحدة، والغرب عموماً، قد لا يكون مستفيداً من خروج دول الخليج والدول العربية الحليفة مما اعتبره لزمن «علاقة حصرية». لكن الغريب أن الغرب لا يستوعب أن المنطقة تتغير، وقيادات دولها الآن تتعامل بشكل مختلف تحقيقاً لمصالحها، دون التغول على مصالح الآخرين، لكن في إطار من تصاعد الندية. 
ومن التفكير المغالي في عدم المنطق، أن يتصور الأمريكيون والبريطانيون مثلاً أن الدول العربية تستبدل تحالفاً بآخر. فليس معنى تعزيز العلاقات مع الصين أو حتى روسيا التخلي عن العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب.
 نعم، الصين تقدم ميزات لا يقدمها الغرب أولها وأهمها أنها من القوى الاقتصادية الصاعدة لا تتعامل في مجال نقل التكنولوجيا والمعرفة بطريقة الغرب. فالولايات المتحدة وأوروبا تربط أي تعاون في مجالات التكنولوجيا المتطورة بقيود وشروط لا تجعل الطرف الآخر يستفيد منها في بناء وتطوير قدراته الذاتية.
 إن مبرر الانزعاج الحقيقي لدى الولايات المتحدة والغرب هو نتيجة تصور يخصها أصلاً. فالتخوف من أن الصين وروسيا وغيرهما في مسعى لترسيخ «نظام عالمي متعدد الأقطاب» على حساب نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة ومعها «تحالف غربي».
 ربما من غير المفيد المقارنات بين الصين وروسيا من ناحية وأمريكا وأوروبا من ناحية أخرى لأن الصين مثلاً لا تربط تجارتها واستثماراتها وتعاونها الاقتصادي مع الدول الأخرى بالتدخل في شؤونها الداخلية أو إعطاء المحاضرات والعظات حول الحرية وحقوق الإنسان أدوات ضغط لتعظيم مكاسبها. فالمسألة ليست «مكايدة» في العلاقات الدولية، وبإمكان الدول الحفاظ على مصالحها دون رضوخ لأي ابتزاز.
 ولا شك أن للصين مصالحها من زيادة التعاون مع دول الخليج والدول العربية، ليس فقط بسبب حاجتها إلى النفط والغاز منها وضرورة تأمين تلك الاحتياجات التي تغذي نموها الاقتصادي. إنما من مصلحتها أيضاً أن ترتبط بالمنطقة باستثمارات ومشروعات مشتركة تعزز صعودها على الساحة الدولية. 
 والمهم أن قيادات دول المنطقة باتت تدرك ذلك بالشكل الذي يمكنها من الاستفادة منها أيضاً في تأمين سبل تطوير قدراتها الذاتية والنمو المستدام لقطاعاتها الاقتصادية من الطاقة الخضراء إلى الصناعات العسكرية.
 يبقى فقط أن تدرك الولايات المتحدة والغرب هذا المنحى الجديد، أو بشكل أدق تعترف به وتتعامل على أساسه. فسبب انزعاجها أنها تدرك هذا التحول، لكن لا تريد أن تستوعبه. فالانزعاج الغربي غير المبرر مرده إلى أنهم يرون سياسة «تنويع التحالفات» التي يعتمدها قادة دول المنطقة بالاتساق مع تنويع كافة المجالات الأخرى على طريق التنمية والتطور لا تتفق مع مصالحهم.
 تلك مشكلة الغرب وليست مشكلة دول المنطقة، الحريصة على علاقاتها مع الغرب بقدر حرصها على تطوير علاقاتها مع شركاء آخرين. ولعل درس «الحياد الإيجابي»- إذا صحت استعارة المصطلح القديم – لدول الخليج والدول العربية في أزمة الحرب في أوكرانيا يفيد في هذا السياق. فقد بدأت أصوات في أوروبا، وإن كانت خافتة، تتحدث عن أن واشنطن «تتربح من حرب أوكرانيا على حساب خسائر أوروبا». فلينظر الغرب إلى ذلك ويقيس عليه موقف دول المنطقة من تنويع علاقاتها كي لا تتعرض لمزيد من الخسائر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfwzufd

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"