خرافات في قراءة التاريخ

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

في قراءة النصوص والظواهر التاريخية والثقافية، هناك فارق كبير بين النقد والنقض، يهدف الأول إلى التقويم وإلى تسجيل الإيجابيات والكشف عن السلبيات، أما الثاني فيسعى إلى التشويه ويعمل على تدمير النص أو إنكار الواقعة التاريخية أو تضخيم السلبيات.
هذا التمييز ضروري ونحن نقرأ كتاب «خرافة الفردوس الأندلسي» لداريو فرنانديز موريرا، الصادر بالإنجليزية عام 2016، وترجم إلى العربية مؤخراً. ويهدف الكتاب، وفق مؤلفه، إلى تعديل صورة الحضارة الأندلسية في ذهن الأكاديميين والمثقفين الأوروبيين، من حضارة تَعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في سلام ووئام وأنتجوا فنوناً وآداباً وفلسفة، إلى صورة يشعر معها القارئ بأن المؤلف يكره كل ما يمت إلى العرب بصلة.
تعود أهمية الكتاب إلى عدة عوامل، ففي مقدمة كل فصل هناك اقتباسات عديدة لمثقفين ومؤرخين ومستشرقين وحتى صحفيين وسياسيين معاصرين، أكدوا أن الحكم العربي للأندلس كان فترة فارقة في التسامح والتحضر، وكان مرحلة مختلفة ومغايرة لكل المناخ الذي ساد أوروبا آنذاك، ليكتشف القارئ أن تلك الفترة لم يتم تناولها، كما ينبغي في كتاباتنا العربية، ولكن تلك ملاحظة خاصة بنا نحن، ولا يلبث هذا القارئ أن يصدم عندما يجد أن هدف المؤلف من إيراد تلك الشواهد هو الرد عليها وتفنيدها وإثبات عكسها، من خلال الرجوع إلى سيل من المصادر والوثائق، حيث يقع الكتاب في أكثر من 437 صفحة من القطع الكبير، وهو يستند إلى مئات المراجع.
العرب في الكتاب مجموعة من البرابرة دمّروا حضارة القوط التي كانت على وشك الازدهار، وسرقوا أنماطهم المعمارية في البناء، وتميز حكمهم بالدموية وقطع الرؤوس، ولم يتسامحوا مع المختلف عقائدياً وعرقياً، وهو لا يكتفي بذلك؛ بل يتطرق إلى الفتوحات العربية بأكملها وإلى مبادئ الدين الإسلامي، ليقدّم صوراً استشراقية سخيفة عفا عليها الزمن، ويؤكد أن تلك الفتوحات كانت السبب في القرون الوسطى الأوروبية، حيث قطعت التواصل بين ضفتي المتوسط وبين الأوروبيين وإرثهم اليوناني والروماني. 
فالفلسفة اليونانية لم يحملها العرب ويحافظوا عليها ويقدّموها إلى الأوروبيين لاستكمال نهضتهم، كما هو معروف، ولكنهم شوّهوها وغيروا فيها الكثير. 
ويبلغ به التطرف أن يرصد مفاصل الحياة اليومية في الأندلس التي كانت كئيبة وتخلو من المباهج، فالشعر الأندلسي والموشح، الذي نفخر به ليس ابتكاراً عربياً، ولكن جذوره كانت موجودة لدى القوط؛ بل ويحوّل ظاهرة الحمامات العربية آنذاك إلى ظاهرة سلبية. 
وهناك ملاحظة جانبية تتمثل في أن المترجم لم يقدّم أي تعليق على ذلك الكم من النتائج التاريخية المغلوطة، ولا يوجد تقديم أو تمهيد منه أو من الناشر لكتاب حساس مقدم إلى قارئ عربي.
أطروحات الكتاب مستفزة وتحتاج إلى نقاش وردّ مستفيض من كل المتخصصين في تلك المرحلة، لإبراز كيف تتأسس قراءة التاريخ أحياناً على خرافات، والأهم من ذلك، بحث كيف نقدّم مفاصل هذه المرحلة اللافتة والمتقدمة من التاريخ العربي إلى الأجيال الجديدة اليوم، من خلال قراءات موضوعية وواعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4huyfz35

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"