الإمارات.. مسيرة من نور

01:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

بعض الدول تكتب تاريخها بحروف من دم، تشعل الحروب وتمارس خلالها القتل والتخريب، وتسطو على ثروات الآخرين، وتستعمر الأرض، وبعض الدول تختار إثارة الفتن بين أبناء الشعب الواحد طريقاً لتحقيق مآربها الخبيثة، والبعض يقع في الفخ ويقبل بالتبعية وينشغل بالاقتتال الداخلي والتصارع السياسي، ويصمّ قادته آذانهم عن المطالب الشعبية، ويديرون ظهورهم للانهيار الاقتصادي، والقليل هو الذي يختار أن يكتب تاريخه بحروف من نور، يتخذ العلم وسيلة لتحقيق المجد، وينهج سبيل التسامح، ويمد يد العون لكل محتاج، ويسعى أن يعيش العالم في سلام، وأن تحترم الدول سيادة بعضها، وتتقدم البشرية وتعالج أمراضها وتتخلص من أزماتها الموروثة منذ عقود وقرون والباقية إلى الأبد، ما دام الكثيرون يسعون لعالم مأزوم متصارع والأقلية يسعون لعالم نموذجي وكوكب آمن وحكومات متصالحة مع شعوبها، ناشرة لقيم الحق والعدل في ربوعها.

دولة الإمارات تتقدم صفوف الصنف الأخير، وقد اتخذت منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن تكتب تاريخها بحروف من نور، وعلى مدى 51 عاماً استطاعت أن تصبح حلماً لجنسيات مختلفة حول العالم، وأن تحتضن على أرضها نماذج مختلفة تمثل الخليط البشري بتنوع عرقياته وتعدد دياناته وتناقض أيديولوجياته، وأن تمتد أياديها البيضاء بالدعم والعون والمساعدة لكل محتاج حول العالم، وأن تسلح أبناءها بسلاح العلم؛ حتى يواجهوا به المستقبل، ويحققوا الطموح بأن تكون دولة العلم والسلام والأمان والعون.

الأسبوع الماضي أضافت الإمارات إلى سجلها الفضائي القصير العمر الكبير الإنجاز والكبير الطموح، إنجازاً جديداً، وهو إطلاق المستكشف «راشد» إلى القمر، وذلك بعد أن أرسلت مسبار الأمل إلى المريخ، وأرسلت كوادرها الشابة إلى محطة الفضاء الدولية.

الإمارات لا تقبل أن تكون مجرد اسم على خريطة الأرض، ولكنها تستهدف إضافة بصمة علمية في تاريخ البشر، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عقب الإطلاق الناجح للمستكشف راشد، مؤكداً أن طموحات الإمارات في الفضاء مستمرة لبلوغ أهدافها بالوصول إلى مستويات عالية في الإنجاز، وتمكين كوادرها لتطوير أفضل قطاع وطني للفضاء، وترسيخ مكانة الدولة المتقدمة في القطاع الفضائي وصناعته عالمياً. يمثل أول مشروع عربي للوصول إلى القمر، ورابع تجربة عالمية، ما يضع الإمارات ضمن الأربعة الرواد عالمياً في استكشاف القمر، وإجراء اختبارات علمية عليه، وتحديد الخصائص الحرارية له، وتكوين تربة سطحه، والإسهام في تمهيد الطريق نحو تحقيق الإنسان للمزيد من التطورات النوعية في العلوم والتكنولوجيا، وتقنيات الاتصال والروبوتات.

اختارت الإمارات أن تكتب تاريخها بأحرف من نور منذ يوم التأسيس، وكان الصعود إلى الفضاء حلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تحويله إلى واقع والبناء عليه والإضافة إليه، وبعد أن تحقق حلم الفضاء والمريخ يتحقق اليوم حلم استكشاف القمر، من خلال مستكشف تم إطلاق اسم راشد عليه، عرفاناً وتقديراً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد، وبعد القمر ستكون العين على كوكب الزهرة، وبعده كواكب أخرى.

مسبار الأمل والمستكشف راشد ليسا مجرد إنجازين إماراتيين، ولكنهما فتحا أمام الشباب الإماراتي مجالاً لا يزال موصداً أمام شباب معظم الدول، وفيه أبدعت المواهب الإماراتية فنياً وتقنياً وإدارياً، ليؤكدوا للعالم أن الإمارات بالفعل أسقطت من قاموسها كلمة مستحيل، وأن تحقيق هدفها بالوصول للرقم واحد ممكن.

الحلم الإماراتي في الفضاء لا حدود له، ورغم أن الدولة بدأت تحقيقه منذ سنوات معدودة، إلا أنها استطاعت أن تحجز لنفسها مكاناً متقدماً في نادي الفضاء الدولي، وتجاوزت بإنجازاتها المتتابعة سابقين لها إلى الفضاء، وهدفها الأكبر أن تُسهم في تشكيل مستقبل أفضل للإنسانية، بالعلم والبحث والتجريب واقتحام المجهول، والسعي لكشف أسرار الكون الكثيرة والعصية منذ استوطن الإنسان كوكب الأرض، لتكتب تاريخها بين الأمم بأحرف من نور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yscd3pky

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"