الاقتصاد العالمي في 2023

21:30 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أصدر صندوق النقد الدولي تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، لا يختلف كثيراً عن تقريره لشهر تموز/يوليو من نفس العام. فقد ثبّت توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عند 3.2%، انخفاضاً من 6% في عام 2021، وتراجعاً إلى 2.7% في عام 2023، لكنه متفائل بشأن التضخم الذي سينخفض، بحسب توقعاته، من 8.8% إلى 6.5% في 2023، بافتراضه استمرار السياسة النقدية المتشدّدة التي يتبعها مجلس الاحتياطي الفيدرالي وفي إثره بقية البنوك المركزية الكبرى.

البنك الدولي هو الآخر كان قد توقع في تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية» الذي أصدره في يونيو 2022، أن يراوح نمو الاقتصاد العالمي في عامي 2023 و2024، حول 2.9%.

لقد تطلب التعافي من الركود التضخمي في سبعينات القرن الماضي، زيادات حادة في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، ما انعكس أزمات مالية على اقتصادات البلدان النامية. المنعطف الحالي يشبه ما حدث في السبعينات من القرن الماضي من حيث إن الاضطرابات المستمرة إلى جانب العرض الذي يغذّي التضخم، كانت قد سبقتها فترة طويلة من السياسة النقدية التيسيرية للغاية (سياسة التيسير الكمي) «Quantitative easing» في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية.

المثير أنه في الوقت الذي يحثّ فيه «تكنوقراط» البنك الدولي الذين أعدوا التقرير الأخير للبنك، الدول النامية على تشديد سياستها النقدية من أجل كبح جماح التضخم، تناغماً مع ما يفعله مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، فإنهم لا يترددون في توجيه أصحاب القرار في هذه الدول في ختام تقريرهم، إلى ضرورة امتناعهم عما أسموه السياسات المشوّهة، مثل ضبط الأسعار، والإعانات (Subsidies)، وتقييد الصادرات؛ أي أنهم يحذرون الحكومات من مغبة تدخل أجهزتها التنظيمية في أسواق السلع لضبط انفلات الأسعار نتيجة لتلاعبات أرباب تجارة الجملة والتجزئة. ويقصدون بالإعانات منع الحكومات من إعادة مخصصات الدعم لموازناتها العامة، ويقصدون بتقييد التصدير، منع الحكومات من ضبط صادراتها ووارداتها في الظروف الاستثنائية، وهو حق كفلته لها قواعد منظمة التجارة العالمية التي تحظى الدول الرأسمالية الكبرى باليد الطولى في عملية صناعة قراراتها.

النظام أحادي القطبية الذي تتم «صيانته دورياً» للمحافظة عليه وعلى نظام السلسلة الاحتكارية للقطاعات الاقتصادية العالمية الرئيسية، يعد واحداً من الأسباب الجذرية للأزمة العالمية. بموجب هذا النظام، لدينا مركز ضخم للاستهلاك هو أمريكا التي تموَّل عجز هذا النهم الاستهلاكي بصورة مطردة، بواسطة الاقتراض الخارجي، وبالتالي مراكمة ديون لا تتوقف عن التصاعد، وعملة احتياط فقدت معظم مصادر قوّتها المرتبطة بجذور الأساسيات الاقتصادية، ونظام واحد مهيمن لتقييم الأصول والمخاطر، تمثّله ثلاث وكالات تصنيف ائتمانية أمريكية.

وهذا يفسّر انخفاض جودة عمل الهيئات التنظيمية للأسواق والاقتصاد بوجه عام، والمسوغات المتهالكة للتقييمات الاقتصادية التي تجريها الحكومات ووكالات التصنيف، والنتيجة هي ما نشهده اليوم من مشكلة تراكم المديونيات، والتضخم يفوق أربع مرات الرقم المستهدف من البنوك المركزية.

لقد حل نظام مقياس الدولار (Dollar Standard) الذي من تجسيداته سندات الخزانة الأمريكية التي تشتريها الدول الأجنبية وتحتفظ بها في بنوكها المركزية محل معيار تبادل الذهب الذي تحتفظ به البنوك المركزية في العالم لتسوية المدفوعات في ما بينها.

وقد مكّن ذلك الولايات المتحدة من إدارة عجز في ميزان المدفوعات بشكل فريد لأكثر من سبعين عاماً، على الرغم من حقيقة أن سندات الخزانة الأمريكية هذه لا تتمتع بفرصة واضحة لسدادها إلا بموجب نفس آلية تمويل سداد الدين بدين جديد، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها أن تعاني عجزاً مستمراً في ميزان المدفوعات دون الاضطرار إلى بيع أصولها، أو رفع أسعار الفائدة لاقتراض أموال أجنبية.

كما لا يمكن لأي اقتصاد وطني آخر في العالم أن يتحمل نفقات عسكرية خارجية ضخمة، كما هو حال الاقتصاد الأمريكي، دون أن يفقد قيمة عملته التبادلية. ولولا هذه الامتيازات، لغرق الاقتصاد الأمريكي منذ ما بعد فكّ ارتباط الدولار بالذهب مطلع سبعينات القرن الماضي، وهذا هو سبب سعي الصين وروسيا وبعض الدول الأخرى التي يعتبرها الاستراتيجيون الأمريكيون منافسة ومعادية، إلى استعادة دور الذهب كأصل أولي وأساسي لتسوية اختلالات موازين مدفوعات الدول.

ومن حسن حظ الولايات المتحدة أن دينها القومي مقوّم بالدولار الأمريكي. ذات مرة، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان: «يمكن للولايات المتحدة سداد أي ديون عليها لأننا نستطيع دائماً طباعة النقود للقيام بذلك؛ لذلك ليس هناك أي احتمال للتخلف عن السداد». وقد كان سداد الديون الحكومية بواسطة طباعة النقود، هو الحل «المبتكر» لحكومات المستعمرات الأمريكية التي كانت تعاني ضائقة مالية، لكن التضخم أطاح هذا «الحل السحري».

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mry35zf9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"