تحولات النزعة القومية في روسيا

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

عرفت النزعة القومية في روسيا تحولات ومسارات متعددة منذ المرحلة الإمبراطورية، حيث كانت شعوب روسيا تشعر بأنها مهددة من الشرق والغرب على حد سواء؛ إذ إنه وعلى الرغم من المحاولات التي بُذلت من قبل القياصرة الروس من أجل التقرّب من أوروبا، لاسيما من الثقافتين الألمانية والفرنسية، فإن الروس كانوا يشعرون في معظم الأحيان أن الأوروبيين لا ينظرون إليهم على أنهم يمثلون جزءاً أصيلاً من الحضارة الأوروبية، وهذا ما يسفر رواج تلك العبارة التي كانت تقول «أكشط الروسي تجد خلفه تتري»، وقد ارتبطت النزعة القومية الروسية في القرن التاسع عشر بالتيار الشعبوي اليساري في سياق الدفاع عن هوية الشعوب السلافية، وبقيت هذه النزعة ثاوية في زمن الاتحاد السوفييتي لعقود من الزمن إلى غاية نهاية الحرب الباردة وما أعقب ذلك من محاولات واشنطن إحكام حصارها على روسيا.

وتشير مختلف الكتابات السياسية في هذا السياق إلى أن وصول بوتين إلى سدة الحكم مع مطلع الألفية الجديدة مثل ذروة صعود المد القومي في روسيا مع ظهور أحزاب قومية متشددة ومفكرين كبار يقدمون برامج وتصورات بشأن مستقبل الأمة الروسية، ومن بينهم ألكسندر دوغين زعيم الحركة الأوراسية الدولية وهي الحركة التي يسعى من خلالها دوغين إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية والسوفييتية من خلال تحالف روسيا مع الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، من أجل التصدي للنفوذ الغربي المتعاظم على الحدود الغربية من روسيا الاتحادية؛ وتمارس آراء دوغين تأثيراً لافتاً إلى النظر على صناع القرار في موسكو، وقد يفسّر ذلك إلى حد ما قيام أوكرانيا مؤخراً باغتيال ابنته.

ويعد تأسيس الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي في التسعينات من القرن الماضي من أبرز محطات تحوّل النزعة القومية في روسيا، فقد أثر بشكل لافت في الرؤية الجيوسياسية لبلاده وعُرف بمواقفه الحادة والمنتقدة للغرب بزعامة الولايات المتحدة، وكان يرى أن التهديد الذي تمثله واشنطن حالياً على روسيا أخطر بكثير من التهديد الذي مثلته قوات نابليون وهتلر، كما صرّح في شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 2021 أن سنة 2022 لن تكون سنة سلام، لكنها ستكون السنة التي ستصبح فيها روسيا مرة أخرى قوة عظمى.

وبالتالي فإنه لم يكن من الغريب أن يحضر الرئيس الروسي بوتين في مراسيم تشييع جثمان جيرينوفسكي بعد وفاته يوم 6 إبريل/نيسان الماضي. ومن الأشياء الطريفة التي ما زالت تُذكر على لسانه أنه قال في إحدى مداخلاته في البرلمان الروسي (الدوما) سنة 1999، بإمكاننا اليوم التضامن مع العالم الإسلامي قاطبة، فهناك يقطن مليار من السكان في أيديهم كل النفط والغاز والأموال وإذا اتحدنا مع العرب وإيران ستنتهي الولايات المتحدة، لأن أموال روسيا والعرب تدعم اقتصاد الغرب.

ويمكننا أن نؤكّد في هذا السياق أيضاً، أن النزعة القومية في روسيا تختلف بشكل واضح عن تلك التي نلفيها لدى الأحزاب اليمينية في الغرب، فالقومية في روسيا وفي بعض دول شرق أوروبا كبولندا، تختلط بشكل كبير مع الانتماء الديني والمذهبي لشعوب المنطقة لأسباب تاريخية معروفة تتصل بالصراعات التي سادت ما بين ممالك وإمبراطوريات المنطقة، لاسيما بين الشعوب السلافية الأرثوذوكسية وباقي أوروبا الكاثوليكية، لذلك، فإن جون فرنسوا كولوسيمو، يذهب إلى القول، إنه إذا كنا نتحدث عن نشأة الدول الوطنية في الغرب فعلينا أن نتحدث في الشرق عن نشأة الكنائس الوطنية نتيجة الارتباط الوثيق للدول بالمؤسسة الدينية.

ومن الواضح أن تمسّك الروس بسيادتهم واعتزازهم بانتمائهم القومي، كثيراً ما يرمز له في العديد من الأدبيات السياسية بمبنى الكرملين الذي نُسجت بشأنه الكثير من الأساطير، فقد بني من الخشب سنة 1156 وتم الاستيلاء عليه من طرف المغول سنة 1382 قبل أن تتم إعادة بنائه في شكله الحالي سنة 1495 بإشراف من أحد المهندسين الإيطاليين، وظل عصياً على الاقتحام من طرف الجيوش الغازية القادمة من أوروبا الغربية؛ وهناك قناعة كبيرة لدى المتابعين أن الحرب الجارية حالياً في أوكرانيا، ستسهم من دون شك في تحديد مصير التحولات المتعلقة بالقومية الروسية وفي رسم معالم مستقبل الدولة الروسية في الكرملين.

[email protected]

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck48rjb

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"