مغناطيس العملات المشفرة

21:24 مساء
قراءة 4 دقائق

جيمي مكغيفر *

إذا كانت سلسلة النكسات الضخمة بمليارات الدولارات، والاحتيالات المزعومة، والانهيار بنسبة 75% في سعر أكبر الأصول لم تهز ثقة البعض في عالم التشفير، فمن الصعب تخيل شيء يفعل ذلك.

على الرغم من أن أكثر من نصف الأموال المستثمرة في عملة «بيتكوين» تبخرت في فضاء التشفير وتراجع سعرها بأكثر من 55% في الأشهر الستة الماضية، فضلاً عن موجة الاضطرابات والفضائح الأخيرة التي ضربت القطاع، إلا أن محللي سوق العملات المشفرة في «جيه بي مورغان» يُصرون على أنها لا تزال تجتذب المراهنين من كل مكان، كما أنهم يُظهرون علامات قليلة على إغراق الأصول والأسهم والصناديق المتداولة في البورصة المرتبطة بتلك العملات.

يُقدر المحللون أن حوالي 25 مليار دولار قد تلاشت من سوق العملات المشفرة منذ مايو/أيار الماضي. ومع ذلك، يُصر الأشخاص في هذا القطاع على أن الأموال لا تزال تتدفق، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه تدفقات متعثرة من أجزاء أخرى من عالم التشفير أو أموال جديدة.

وحتى اللاعبون الأصغر، بمن في ذلك مستثمرو «mom & pop»، وهم المبتدئون الذين يستثمرون بشكل ضئيل في سوق الأسهم، مقتنعون في ذلك. وإذا تم أخذ العرض المفقود في الاعتبار، فمن المحتمل أن يكون هذا هو أعمق سوق هابطة في تاريخ «البيتكوين»، وفقاً لشركة «غلاسنود» لتحليل «البلوكتشين».

ومع ذلك، تُظهر الأرقام من «كوينشيرز»، أكبر مجموعة استثمار وتداول عملات رقمية في أوروبا، أن التدفقات الوافدة إلى منتجات الاستثمار في الأصول الرقمية بلغت 42 مليون دولار في الأسبوع الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، وهي أكبر نسبة في ثلاثة أشهر تقريباً.

وقال جيمس باترفيلد المحلل في «كوينشيرز»: «تشير البيانات إلى أن المستثمرين يرون هذا الضعف في الأسعار فرصة للشراء، والانتقال إلى البورصات اللامركزية، وصناديق الاستثمار المتداولة المدعومة مادياً، والتي لا تحتوي على نفس نقاط الضعف التي تعاني منها البورصات التي يتم التحكم فيها مركزياً».

تُظهر الأرقام من شركة «فاندا ريسيرش»، متعقب تدفقات المستثمرين الأفراد، أن التدفقات الداخلة إلى الأسهم والمرتبطة بالتشفير وصناديق الاستثمار المتداولة في البورصة بلغت 27 مليون دولار في الأيام الخمسة التي أعقبت انهيار «إف تي إكس»، أي بمتوسط يومي قدره 5.4 مليون دولار. ورغم أنه أقل من المتوسط اليومي للعام حتى تاريخه والبالغ 14.4 مليون دولار، لكنه لا يزال يمثل تدفقاً إيجابياً.

والأهم من ذلك، أنه على الرغم من انخفاض عملة «البيتكوين» بنسبة 75% عن أعلى مستوى لها على الإطلاق في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، فإن مستثمري التجزئة ضخوا 3.7 مليار دولار في الأصول والأموال المتعلقة بالتشفير. بحسب «فاندا»

يقول المتحمسون، إن العملة المشفرة هي مستقبل المال، وتمكين الأفراد، وتوفر الحرية المالية، والتحرر من ضوابط الحكومة والبنك المركزي، كما أنها تتيح أحدث التقنيات للدفع السريع والآمن أيضاً. ومع هذا، فإن الفقاعة التي تضخمت بعد الوباء كانت نتاج شيء آخر، شيء مرتبط بجنون المضاربة الكلاسيكي، أو «الخوف من ضياع الفرصة»، جنون تغذى على نفسه مع ارتفاع الأسعار. حيث استثمر ملايين الأشخاص مليارات الدولارات في سوق لطالما انتقد بسبب غموضه، وقلة الرقابة حوله، إضافة لطبيعته المضاربة للغاية، أملاً منهم بالوصول إلى الثراء الفاحش والسريع.

هزت الأحداث الأخيرة الصناعة من صميمها، وقال أنتوني سكاراموتشي، مؤسس «سكايبريدج كابيتال»، شركة إدارة الاستثمار التي تملك فيها «إف تي إكس» حصة 30%: «ستستمر الصناعة وستزدهر» مع أن الأسبوع الماضي كان ربما الأصعب في حياته المهنية.

إلى ذلك، لم يتراجع النقاد والمتشككون في العملات المشفرة منذ فترة طويلة عن آرائهم، ووصف الخبير الاقتصادي نورييل روبيني الحاصل مؤخراً بأنه «نظام بيئي إجرامي فاسد ومتعفن تماماً»، في حين يواصل رئيس شركة «بيركشاير» هاثاواي وارين بافيت، ونائبه تشارلي مونغر انتقاد الصناعة وروادها.

ربما يظن البعض أن انهيار السوق والمزاعم البارزة بشأن الاحتيال قد أدت في النهاية إلى تغيير الموقف بالنسبة لبعض المستثمرين. لكن ليس بعد، على ما يبدو. فقد أعلن صندوق التداول في البورصة «بروشيرز» عن تدفق صافٍ بقيمة 14.6 مليون دولار في الأسبوع المنتهي في 9 نوفمبر، وذلك بحسب بيانات «ريفينيتيف»، وهو أكبر تدفق خارجي في تسعة أسابيع. لكن في الأسبوع اللاحق، أعلن الصندوق عن تدفق صافٍ قدره 12.3 مليون دولار، واعتباراً من 17 نوفمبر، بلغ رصيد الشهر 2.5 مليون دولار من صافي التدفقات. وبالمثل، اجتذبت هذه الصناديق المتداولة في البورصة تدفقات صافية بنحو 300 مليون دولار من خلال انزلاق البيتكوين من أعلى مستوى لها على الإطلاق منذ أكثر من عام بقليل.

من الصعب الحصول على بيانات تدفقات ملموسة على نطاق أوسع، مع ذلك، بالنظر إلى مدى غموض عالم التشفير. يقول الخبراء الاستراتيجيون في «جيه بي مورغان»، إن المقياس الجيد هو الطلب على العملات المستقرة، وهو المكافئ الرقمي للنقد في النظام البيئي للعملات المشفرة المدعوم بأصول فردية بالدولار. وهنا تُقدر شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية أن القيمة السوقية للعملات المستقرة بلغت ذروتها عند حوالي 170 مليار دولار في وقت سابق من هذا العام، لتنخفض بعد ذلك بنحو 25 مليار دولار ابتداءً من مايو/أيار. وهذا يعني نزوح 25 مليار دولار من عمليات الاسترداد من العملات المشفرة اللامركزية إلى نظيرتها المركزية على الأرجح. وبالتالي ترى «جيه بي مورغان» أنه سيكون من الصعب تخيل انتعاش مستدام في أسعار العملات المشفرة دون توقف انكماش عالم العملات المستقرة.

* كاتب صحفي في (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfah9t4

عن الكاتب

كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"