على الفيدرالي اقتباس حديث «الملكة» قبل 30 عاماً

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد العريان *

قبل نحو ثلاثين عاماً، وفي الذكرى الأربعين لتوليها العرش، قالت الملكة إليزابيث الثانية: «1992 ليس عاماً سأنظر فيه إلى الوراء بسرور تام، لقد اتضح أنه كان عاماً مريعاً». وجاء الخطاب الشهير للملكة الراحلة بعد عام من التطورات التي أثارت قلق التاج البريطاني، بما في ذلك نشوب حريق في قصر «وندسور»، وإنهاء اثنين من أولاد العائلة الملكية لزواجهما، وإعلان انفصال ملكي ثالث بعد شهر، وتسريبات أخرى مختلفة.

ساعد الاعتراف الصادق بهذه الصعوبات على ترسيخ ثلاثة عقود أخرى من الاحترام الهائل المحلي والعالمي للنظام الملكي. ومع اقترابنا من العام الجديد، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يسعى إلى الانتقال من عامه الثاني المتتالي الكارثي، مطالب بأن يحذو حذو الملكة. وهذه هي أفضل فرصة للفيدرالي لاستعادة مصداقية السياسة، واستعادة سمعته، وتقليل تعرضه للتدخل السياسي غير المبرر، وكل ذلك سيكون حاسماً لفعاليته، وبالتالي، للرفاهية الاقتصادية على نطاق أوسع.

على مدى العامين الماضيين، أخطأ الاحتياطي الفيدرالي في تقييمه للتضخم، وصنع السياسة، والاتصالات، والحوكمة، وكانت توقعاته بعيدة كل البعد عن الواقع لدرجة أن بعض مسؤوليه السابقين، وبشكل غير مسبوق، رفضوها علناً وبشكل متكرر. ونتيجة لذلك، أهدر صانعو السياسات فرصة التحرك في الوقت المناسب لاحتواء الزيادات في الأسعار التي أدت منذ ذلك الحين إلى تآكل القوة الشرائية للجميع، مما ضرب أكثر شرائح المجتمع ضعفاً في مقتل.

والأسوأ من ذلك، أنه حتى بعد أن أدرك خطأه، انغمس الاحتياطي الفيدرالي بخطأ جديد تمثل في عدم رد فعل سريع ومناسب في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ولم يتوقف حتى مارس/آذار 2022 عن ضخ السيولة في اقتصاد يتزايد فيه التضخم، وكان رفع سعر الفائدة الأول في ذلك الشهر خجولاً بمقدار 25 نقطة أساس.

يشعر الاقتصاديون والأسواق بقلق متزايد من أن هذه الأخطاء المركبة قد مهدت الطريق لخطأ آخر. ونظراً لأن أقوى بنك مركزي في العالم قد أُجبر على الدخول في أكثر دورات رفع أسعار الفائدة سرعة ووزناً منذ عقود، في وقت يتباطأ فيه الاقتصاد بالفعل، فهناك مخاوف من أن هذا قد يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى ركود اقتصادي غير ضروري.

لم يقتصر الأداء الضعيف للاحتياطي الفيدرالي على تحليلاته وصنع السياسات فحسب، فقد تركت اتصالاته أيضاً الكثير من علامات الاستفهام. وفي أكثر من مناسبة على مدار العامين الماضيين، أدلى بنك الاحتياطي الفيدرالي بتصريحات غير حكيمة إلى حد ما، عندما اقترح على سبيل المثال في يوليو/تموز أن معدل الفائدة على سياسته كان بالفعل عند مستوى محايد. لكن سرعان ما تبين أن هذا التعليق ساذج تماماً وأثار انتقادات واسعة النطاق بشكل مفهوم، بما في ذلك من وزير الخزانة الأمريكي السابق لورانس سامرز، الذي وصفه بأنه لا يمكن الدفاع عنه من الناحية التحليلية، ويشير إلى استمرار «تفكير الأمنيات».

وفي أحدث توقعاته خلال مؤتمره الصحفي الأخير لهذا العام، أضل بنك الاحتياطي الفيدرالي الطريق مرة أخرى عندما خاطب الأسواق بأن معدل الفائدة على السياسة من المحتمل أن يكون عند 5.1% في نهاية عام 2023. وقد تم دعم هذا التوجيه المستقبلي من قبل 17 مسؤولاً من أصل 19 في الاحتياطي الفيدرالي، ومع ذلك، لم تسعر الأسواق هذه النسبة بعد. وبدلاً من ذلك، تشير أسواق العقود الآجلة اليوم إلى معدل سياسة يبلغ 4.4%، متوقعة أن يضطر الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة على مدار العام المقبل، على الرغم من كل ما قاله عكس ذلك.

على مدار العامين الماضيين أيضاً حدثت العديد من الانزلاقات الأخلاقية، واستقال ثلاثة من كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بعد تقارير تفيد بأنهم انخرطوا في ممارسات تداول الأسهم المشكوك فيها أثناء الوباء عندما كانت سياسات المركزي تعزز التقييمات بشكل كبير. بعد ذلك، اعترف مسؤول رابع بأنه انتهك قواعد التداول ومتطلبات الإبلاغ، وأثار خامس الدهشة عندما تحدث في مناسبة غير رسمية نظمها أحد البنوك الكبيرة.

تثير كل هذه التطورات مخاوف واضحة بشأن فعالية ومكانة وسمعة مؤسسة تلعب، ويجب أن تلعب، دوراً حاسماً للغاية في كل من الاقتصاد الأمريكي والنظام النقدي الدولي. تطوراتٌ قد لا تؤدي فقط إلى إضعاف سلطة هذه المؤسسة، وتقويض تأثير توقعاتها وفعالية توجيهاتها المستقبلية، ولكن قد تجعلها أيضاً عرضة للتدخل الخارجي. ويمكن أن يهدد ذلك العمليات التشغيلية المستقلة التي يحتاج إليها بنك الاحتياطي الفيدرالي للوفاء بالتزاماته.

وبالنظر إلى المستقبل، من غير المرجح أن يكون الاحتياطي الفيدرالي قد فعل ما يكفي للتعويض عن أخطائه السابقة بشأن التضخم. وبينما ينحسر الأخير، وسيستمر في ذلك، فإن هذا سيكون على حساب الضرر غير المبرر لسبل العيش. فبعد أن سُمح للتضخم بأن يصبح جزءاً لا يتجزأ من هيكل الاقتصاد، لا يزال هناك خطر لاحق في عام 2023، بأنه سيكون ثابتاً بمعدل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وإذا حدث هذا، فسيتعين على الفيدرالي الاختيار بين مجموعة من خيارات السياسة غير المريحة بنفس القدر، والتي ستصبح جميعها أكثر إيلاماً للمجتمع إذا سقطت الولايات المتحدة في حالة ركود.

ولمواجهة مثل هذه التحديات، سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى الانتقال من إخفاقات 2021 و2022، ومهمته الآن تنطوي على عنصر خارجي حاسم وآخر داخلي لا يقل أهمية. وهذا هو السبب في أن هذه المؤسسة الحيوية يجب أن تقتبس من الحديث الرائع للملكة الراحلة قبل 30 عاماً.

* رئيس كلية كوينز بكامبريدج وكبير المستشارين الاقتصاديين في «أليانز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8zveuk

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"