أزمة لغة أم أزمة ثقافة؟

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في اليوم العالمي للغة العربية والذي يصادف ال 18 من ديسمبر من كل عام، لا نملّ من تكرار الحديث عن العقبات التي تعترض طريق لغتنا العربية، أو السؤال الذي لم نعثر له على إجابة له حتى الآن «كيف نعزز من وجود هذه اللغة في مختلف جوانب حياتنا؟» وهو سؤال كتبت له إجابات بمختلف ألوان الطيف، وطُرحت رؤى لتمكين العربية، وصدرت توصيات بضرورة اتّباع أساليب عملية يؤدى الأخذ بها إلى ازدهار اللغة، حتى باتت مشكلات لغتنا وحلولها معروفة للجميع، ولكن للمفارقة فإن تلك المشكلات لا تزال قائمة إن لم تكن تتفاقم عاماً تلو الآخر، والمفارقة الأكثر مدعاة للانتباه أن هناك إجابات جديدة تفسر لماذا تتفاقم تلك المشكلات، وكأننا نسير في دائرة لا يمكن الفكاك منها.

تعود أزمة اللغة العربية، إلى الكثير من العوامل، منها من يقول لك، إن مناهج التعليم لا تهتم كثيراً بتلك اللغة، ولم يتوقف من يطرحون هذه الفكرة قليلاً للسؤال: كم يبلغ عدد خريجي أقسام اللغة العربية في جامعاتنا من المحيط إلى الخليج..كل عام؟ نحن نفهم أن يتراجع تعليم اللغة في مختلف التخصصات النظرية والعملية، نظراً لمصفوفة طويلة من الأسباب تشمل العولمة وحاجات سوق العمل، ولكن هل توجد دراسات عن مستوى خريجي اللغة العربية؟ لأنهم بالآلاف وأعدادهم تكفي لتغطية الحقول التي تتطلب معرفة بدقائق اللغة، الكارثة إذا كانت قدراتهم دون المستوى، هنا الأزمة والإشكالية. إن مراجعة حقيقية لهؤلاء الخريجين يجب أن تسبق أي حديث عن مناهج العربية في التعليم العام.

في أزمة اللغة العربية يتطرق الجميع إلى الإعلام..الدراما..الخ، ولكنهم يتناسون أن نشر اللغة وازدهارها مهمة منوطة بالنخبة الأدبية والفكرية بالدرجة الأولى، برؤية هذه النخبة للثقافة أولاً وضرورة الوصول بها إلى أكثر عدد من القراء والمتابعين، هنا سنخرج قليلاً من فضاء اللغة الضيق نوعاً ما إلى فضاء الثقافة الأكثر اتساعاً، وسنجد أنفسنا نسأل أين نخبتنا الآن؟ ولماذا هي منعزلة؟ وحتى عندما كانت موجودة خلال عقود سابقة كانت قد فقدت حسها التنويري وطرحت أفكارها ورؤاها من خلال توجّه يميل إلى التخصص أحياناً وإلى التعقيد في أحيان أخرى وإلى الغموض في أحيان ثالثة، ما جعل المنتج الفكري والكثير من الأدب وحتى طرائق التعبير الفني تنتمي إلى دائرة «المضنون به على غير أهله»، فانعزلت الثقافة، وتراجع عدد القراء، وافتقد الكثير من كتابنا وأدبائنا وحتى شعرائنا القدرة على التواصل مع الجمهور. أعقب ذلك صعود مواقع التواصل الاجتماعي بما تفيض به من فوضى لغوية، كلمات عربية ممزوجة بعامية مطعّمة بمصطلحات أجنبية، وكل ذلك مغلّف بتعبيرات شبابية وخاصة بمؤثري تلك المواقع.

إن أية أزمات تتعلق باللغة العربية، هي أزمات ثقافية بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن نتجاوز هذه الأزمات من خلال التعويل على علماء العربية وحدهم، ولكن من خلال رؤية شاملة وجديدة تحاول أن تبحث في كيف تستعيد الثقافة قوتها وتأثيرها بين البشر؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr33n4u6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"