الإنجازات العلمية ومستقبل العالم

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

أخبار التقدم الهائل في علم الطاقة والاندماج النووي تطرح على البشرية عدة تساؤلات عن وجود تحولات كبرى، وبالأخص في حالة العلوم الإبداعية للجوهر العقلي بإنتاج المعرفة في تركيب الوجود، ودور الإنسان في هذا التأثير، وما أثمرته من المكتشفات التي غيّرت وجه البشرية، وكذلك الجهود البشرية الجبارة للعلماء عبر أجيال متتابعة بجهد علمي لم يسبق له مثيل، حيث لم تعد التكنولوجيا والتقنية الحديثة حبيسة المصانع والمواقع العلمية فحسب؛ بل أصبحت جزءاً أساسياً من كيان الإنسان الاقتصادي والحضاري؛ حيث إن التطور الهائل أوجد اتساعاً هائلاً في دائرة استخدام المعدات التكنولوجية على المستوى التعليمي والحضاري، وبفضل هذا الاستخدام المكثف لهذه المعدات التكنولوجية المتطورة، ستشهد البشرية تحولاً وتغييراً في مسيرة المجتمعات الإنسانية.

ومما يدعو إلى التفاؤل في هذا الجانب، خاصة في ظل حالة الاحتباس الحراري التي تتنامى في كوكب الأرض وتهدد بقاءه، واستشعار مدى الحاجة الملحة إلى إيجاد حل فعال لهذه المشكلة، فقد أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية، أن فريقاً من الباحثين في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا نجح في إنتاج «رصيد صافٍ من الطاقة» من الاندماج النووي؛ حيث أنتج هؤلاء الباحثون حوالي 2,5 ميغاغول من الطاقة في تفاعل اندماج نووي، أو نحو 120% من 2,1 ميغاغول استخدمها الليزر لبدء التفاعل. وقد وصفت الوزارة ذلك بأنه يمثل اختراقاً علمياً كبيراً في إمكانية استخدام تقنية الاندماج النووي في تسيير الآلات المختلفة، ويحدث الاندماج النووي عندما تتحد ذرتان من الهيدروجين لتكوين ذرة أثقل من الهيليوم، ما يتسبب في إطلاق دفعة هائلة من الطاقة في هذه العملية، وتحدث تفاعلات الاندماج عندما تكون المواد في حالة تُسمى بحالة البلازما، وهي حالة تتخذ المادة فيها شكل غاز ساخن مشحون مكوّن من أيونات موجبة وإلكترونات طليقة، وتتسم بخصائص فريدة تميزها عن الحالات الصلبة والسائلة والغازية. وترجع إضاءة الشمس والنجوم إلى عمليات الاندماج النووي.

ويعتقد العلماء بأن الاندماج الذري في الشمس يحدث وسط درجة حرارة عالية تفوق عشرة ملايين درجة من أجل التغلب على التنافر الكهربائي بين نويات الذرات. ويسفر الاندماج عن إنتاج كمية ضخمة من الطاقة تبلغ أربعة أضعاف كمية الطاقة التي تنتج عن تفاعلات الانشطار النووي، ويمكن للتفاعلات الاندماجية أن تكون الأساس الذي تقوم عليه مفاعلات القوى الاندماجية في المستقبل. وعلى الرغم من أن الاندماج النووي بات حقيقة قائمة على الأرض من خلال المفاعلات الاندماجية الموجودة في الدول الكبرى التي تنتج قنابل ورؤوس هيدروجينية، لكن استخدام الاندماج طاقةً لتسيير المحركات المختلفة مازال أمراً عسير المنال؛ لأن ذلك يتطلب خلق وسط كيميائي يضمن استمرار عمليات الاندماج، ويتمثل هذا الوسط في الحرارة العالية، فلكي يقع الاندماج ينبغي توافر حرارة مرتفعة جداً، وعند ذلك يمكن للذرات الخفيفة أن تندمج فيما بينها من أجل توليد الطاقة، لكن كيف السبيل إلى إيجاد حرارة مرتفعة ومستمرة في هياكل الآلات، ومن المعروف أن العلماء استخدموا الكربون الأبيض «الجرافيت» في قلب المفاعلات الذرية، لأن هذه المادة تحفظ الحرارة وتمنع هروبها من المفاعل، لكن هل بالإمكان استخدام نفس المادة في المستقبل، من أجل تحقيق اندماج ذري مستمر؟

إن عقبة التفاعل الكيميائي المتواصل يبدو أنه من الصعب تجاوزها في المستقبل القريب وربما البعيد، وحتى يتم التوصل إلى ذلك، فإن النفط سيبقى ملكاً متوجاً على عرش الطاقة، فليس هناك طاقة أخرى موجودة تفوق مميزاته وقدراته في تسيير الآلات المختلفة، ووفقاً لتقرير المراجعة الإحصائية لشركة النفط البريطانية (بي بي)، يستهلك العالم 60 مليون برميل نفط في قطاع النقل، من أصل نحو 100 مليون برميل يستهلكها العالم يومياً. فكيف يمكن التوقف عن استهلاك النفط من دون إحداث كارثة في العالم، واليوم تعاني أوروبا أزمة طاقة حقيقية بسبب نقص الموارد من نفط وغاز، وعلى الرغم مما لدى تلك الدول من قدرات علمية مميزة، لكنها لم تتوصل إلى حلول تنهي معاناة شعوبها بسبب نقص إمدادات الطاقة وارتفاع الأسعار، فمن المؤكد أن أية طاقة بديلة لن تكون بكفاءة النفط وقدراته الخارقة.

ومن هذا المنطلق ستبقى الدول المنتجة للنفط ذات أهمية كبيرة على الخارطة الاقتصادية الدولية، وستبقى الدول الكبرى تتسابق على الموارد النفطية لتحقيق الريادة المستمرة لاقتصادها. وسيكون أمام العلماء تحديات كبيرة في كيفية تخطي عصر النفط، وهو أمر أشبه بالمستحيل، على الأقل في المستقبل القريب.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ysrrzhty

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"