عادي
قد تقودهم وأولياء أمورهم إلى القضاء والسجون

ألعاب إلكترونية للأطفال.. إثارة وأساليب جديدة للجرائم

01:15 صباحا
قراءة 7 دقائق
أساليب جديدة للألعاب الإلكترونية

تحقيق: سومية سعد

انتشرت في الآونة الأخيرة أساليب جديدة للاحتيال عن طريق استخدام الألعاب الإلكترونية للأطفال، وبدلاً من أن تصبح للتسلية والمتعة لهؤلاء الصغار، يستغلها البعض لتحقق أرباح مالية طائلة، مستفيدون في ذلك مما تتضمنه هذه الألعاب من الغاز وإثاره، أخرجت الأطفال من متعتهم بطرق خبيثة وتسببت في غرس الميول العدوانية بنفوسهم والاتجاه بهم إلي أشكال متعددة من الجرائم يمارسها هؤلاء الأطفال بلا وعي، الأمر الذي بات يهدد سلامتهم وسلامة المجتمع، فتارة يتم التأثير عليهم بترويج أفكار مسمومة تحولهم إلى لصوص يجيدون السرقة عبر اختيار ضحاياهم عن بعد «إلكترونياً» ما ينتج عنها مسؤولية قانونية تقودهم وأولياء أمورهم إلى ساحات القضاء وغياهب السجون، وتارة يتابعون المروجين وألغازهم فيقعون في حبالهم.

تستغل هذه الألعاب الإلكترونية من قبل تنظيمات متطرفة، تجعل العنف بالنسبة للأطفال وسيلة للتسلية، وتغرس أفكاراً عنصرية متطرفة في عقول الأطفال عبر ألعاب بعينها، بل إن هناك ألعاباً بعينها تعد ساحة لزيادة رغبتهم في التنمّر على أطفال آخرين لفظياً وجسدياً، أو قيامهم بتقليد ما يشاهدونه في تلك الألعاب.

ويؤدي بهم إلى الوقوع فريسة سهلة في تلك التنظيمات بالخداع الذي يجيده راغبو استغلال الأطفال إلكترونياً وتحقيق مآربهم ومكاسبهم الخبيثة، وفي هذا التحقيق، نستعرض بعض صور احتيال الألعاب الإلكترونية، ودور خدمة الأمين والشرطة في التصدي لهذه الظاهرة، ومواجهتها.

الصورة

قصص واقعية

بدايةً تروي أم قيس قصة ابنها، الذي أدمن الألعاب الإلكترونية حتى انعكس محتواها على سلوكه، وأصبح حبيس غرفته ومرت الأيام إلى أن وصلت الشرطة إلى بيتها لتطلب زوجها، حيث تبين أن الجاني هو ابنها، من خلال دخوله إلى الألعاب الإلكترونية ومتابعة إرشادات وتوجيهات مستغليها والتي أوصلته إلى حد الإدمان، وكان من ضمن شروط اللعبة أن يقوم بسرقة بيانات مصرفية لصديق والده، ولصغر سنّه قاد والده إلى السجن.

وتقول أم حازم إن ابنها الذي تحول بفضل الألعاب الإلكترونية إلى شخص عدواني وعصبي، قام بالاعتداء عليها بسبب امتناعها عن شراء لعبة إلكترونية له، وعندما هربت منه إلي خارج المنزل اعتدى عليها بسكين أمام المارة، وعلى إثرها طلبوا له الشرطة التي جاءت بعد أن تسبب لها في عاهة مستديمة، نقلت علي أثرها إلى المستشفى ونقل هو إلى رعاية الأحداث.

إدمان

أما علاء الدين ياسر، الطالب المتفوق والمتميز بين أصدقائه، حوّله إدمان الألعاب الإلكترونية إلى حد سرقة البيانات الشخصية لجارهم مما يعد تهديداً أمنياً واقتصادياً، لا سيما مع ظهور مفهوم العصابات أو المجموعات المنظمة في مجال الجرائم الإلكترونية، أما أبو طارق فيقول تحول ابني فجأة لشخص غريب لا يمكن السيطرة على سلوكه عند محاولة منعه من ممارسة هذه الألعاب لدرجة أنه قام بتحطيم سيارتي عندما قمت بسحب الهاتف منه، وأما ياسمين الجالي، فقد أوصلتها حيل وخداع الألعاب الإلكترونية إلى سرقة مجوهرات نادرة، وهكذا سيل لا ينتهي من القصص عن أساليب وحيل تدفع الأطفال اللاعبين إلى إثبات الذات عن طريق إيذاء الآخرين.

حماية الأبناء

ودأبت خدمة الأمين على دعوة أولياء الأمور إلى حماية الأبناء من بعض الألعاب الإلكترونية التي تُحرّض الأطفال على العدوانية وارتكاب الجرائم، والتي تصل بهم إلى حد الإدمان وفرض حالة من العزلة والانفصال عن الواقع، بما يضمن حمايتهم ووقايتهم من مخاطر الجرائم المرتبطة باستخدام التقنيات الحديثة، ولا سيما في ظل الانتشار الواسع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ولأن الأطفال في كثير من الأحيان يقومون بتقليد ما يشاهدونه، يصبح العنف بالنسبة لهم وسيلة للتسلية، ويسهم هذا التقليد الأعمى بعيداً عن رقابة أولياء الأمور، في زيادة رغبتهم في التنمّر على أطفال مثلهم إلكترونياً، ويؤدي انتشار الأفكار المتطرفة وخطاب الكراهية عبر منصات الألعاب الإلكترونية.

تنظيمات متطرفة

ويقول الدكتور نوح رافور رئيس الشؤون الدولية في مؤسسة دبي للمستقبل، إن الألعاب الإلكترونية تستغل من قبل تنظيمات متطرفة، مثل جماعة «البديل الوطني» البريطانية، التي تغرس أفكاراً عنصرية متطرفة في عقول الأطفال عبر ألعاب بعينها، مؤكدا أن هناك ألعاباً بعينها تعد ساحة لعمليات التجنيد (أونلاين)، مثل «كول أوف ديوتي»، كما أن متطرفين نفذوا جرائم وحشية مثل «أندريس بريفيك»، الذي أطلق النار جماعياً في النرويج مردياً العديد من الأبرياء نتيجة تأثره بألعاب مماثلة.

ويوضح أن الإقبال الرهيب على هذه الألعاب يجعلها هدفاً كذلك للتنظيمات المتطرفة، فعلى مدار العقد الماضي كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأرض الخصبة لنشر الكراهية والعنصرية والتجنيد، عن طريق الألعاب الإلكترونية.

محتوى وطني

ويقول العقيد سعيد الهاجري، مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بشرطة دبي، إن الإشكالية تظل في المحتوى، وليست في الألعاب ذاتها، مؤكداً ضرورة إيجاد محتوى وطني جذاب للأطفال، حتى لا يكونوا عرضة للتأثر بمحتوى إلكتروني غير مناسب، وقد تلقت شرطة دبي 26 شكوى تنمر عبر الإنترنت، و21 بلاغًا عن عمليات احتيال استهدفت الأطفال عبر الألعاب الإلكترونية خلال 3 سنوات، كما أن شرطة دبي سجلت من خلال منصة «إي كرايم» جرائم بعينها مرتبطة بالألعاب الإلكترونية، مثل التنمّر، ومنها ست بلاغات اختراق، وذلك منذ إنشاء المنصة قبل ثلاث سنوات، والشباب المراهق قد يواجه مخاطر التطرف في نطاق الألعاب الإلكترونية من دون إشراف البالغين.

«إي كرايم»

الرائد عبد الله الشحّي، نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، في شرطة دبي يقول إن منصة «إي كرايم» التي أطلقتها شرطة دبي للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية حققت قفزة في التصدي لهذه الأساليب ورصدها، إذ تواصل معها العديد من الأشخاص، قدموا ملاحظات وشكاوى وبلاغات فائقة الأهمية، أسهمت في ضبط مجرمين إلكترونيين، وأكد أنه يطالب الأهالي بالجلوس مع الأطفال، ومشاركة الطفل عند شرائه الألعاب الإلكترونية، ومعرفة تفاصيلها، بل والمشاركة في هذه الألعاب ومعرفة مراحلها ومحتواها، للتأكد من مأمونيتها، وحماية الأطفال من أي مخاطر إلكترونية.

الحوكمة والرقابة

ويلقي الدكتور مروان الزرعوني، الرئيس التنفيذي لمركز دبي للبلوك تشين، الضوء على الحوكمة في العالم الافتراضي، ودور الحكومات في تعزيز تجربة مستدامة آمنة في الميتافيرس، ويقول إن دولة الإمارات تمثل بيئة جاذبة لأفضل المتخصصين ومزودي الخدمات في هذا المجال، بهدف إنشاء نظام ميتافيرس مثالي، باعتباره يمثل نقلة حقيقية إلى المستقبل.

وتقول الاستشارية التربوية والنفسية، الدكتورة ناديا بوهناد، إن المشكلة ليست في الألعاب الإلكترونية نفسها، لكن في ضعف الرقابة الأسرية وغياب النظام، حتى فقد الآباء السيطرة على أبنائهم، وأن كثيراً من الأهل يفتقرون إلى المعرفة والوعي، ولا يدركون المخاطر الحقيقية لترك الأطفال دون رقابة، فالطفل أقل من سنتين يجب ألا يتعرض لشاشة هاتف أو غيره على الإطلاق.

الناحية الاقتصادية

ويقول عماد الأحمد، الخبير الاقتصادي، إن مطوري الألعاب الإلكترونية يستغلون شغف الأطفال والمراهقين لممارستها، ويبتكرون أساليب تحايلية، لاستنزاف جيوب الأهالي بصفة مستمرة، إذ لا يكتفون بالمبالغ المالية التي يتم دفعها نظير اللعبة، بل يستدرجون المراهقين لشراء أدوات افتراضية أخرى، تمكنهم من مواصلة اللعب، خصوصاً في الألعاب الجماعية.

متابعة الحسابات

قالت فرزانة أحمد من محاكم دبي،لابد من متابعة الحسابات التي ينشئها الطفل لممارسة اللعبة لأنها تكمن في أنها تعزل الأطفال عن محيطهم الاجتماعي في حال ممارستها بصورة غير رشيدة لساعات طويلة، كما أنها تقلّص تجاربهم الحياتية الحقيقية وتبني خيالاً وذاكرة افتراضية بديلة عن الحياة الواقعية التي يحتاج الطفل إلى ممارستها بكل تفاصيلها من أجل بناء شخصيته وتنمية قدراته على مواجهة التحديات، وأن هناك حالات استدراج تعرض لها أطفال عن طريق هذه الألعاب ووسائل التواصل، بسبب غياب الرقابة الأسرية ولذلك لابد من قيام أولياء الأمور بدورهم المهم في متابعة أطفالهم ومراقبتهم والتدخل في اختيار الألعاب.

الجانب الصحي

الدكتورة ريهام زكي الأخصائية بمستشفي زليخة قالت: تتسبب ممارسة الألعاب الإلكترونية في حدوث العديد من المشكلات الصحية مثل: السمنة والكسل، والركون إلى الراحة، وعدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم، والإدمان، وأن الأطفال يعجزون عن التخلي عن أجهزتهم الإلكترونية لأكثر من 30 دقيقة، وخصوصاً مع الهاتف النقال، والمفزع أيضاً أن هذه الألعاب، قد ألهت الصغار عن الدراسة وجعلتهم يعزفون عن التحصيل الدراسي، مع تراجع دور الأسرة والعالم والمؤسسات الدينية.

1

أضرار خطيرة

وتوضح الدكتورة نور هشام، طبيبة وماجستير في الصحة العامة، أن جلوس الطفل لأوقات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية له أضرار خطيرة على الصحة من أهمها، إجهاد العينين، والأعصاب والعضلات المحيطة بها مما يعرضه لضعف البصر على المدى الطويل، كما يسبب تشنج عضلات الرقبة والظهر واليدين والمفاصل مما يؤدي إلى التعب والألم و الشعور وبالإرهاق بسبب الانحناء والجلوس الخاطئ أمام الألعاب، وضعف التركيز والذاكرة بما يؤثر في وظائف الدماغ والنشاط المعرفي، بالتالي ينعكس على التحصيل الدراسي للطفل، الانعزال لفترات طويلة بما يؤثر في الصحة النفسية للطفل وانفصاله عن عائلته وأصدقاءه وقد ينتج عنه نوبات من الاكتئاب والقلق فقدان الشهية.

وكذلك استخدام الألعاب الإلكترونية لفترة طويلة يؤدي إلي الإدمان، وعلي المدى الطويل قد يكون الطفل عرضة للإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والدماغ.

الجانب القانوني

ويقول المحامي وليد عسكر، لابد للجميع من توخي الحذر وعدم التعامل مع المواقع الإلكترونية المزيفة ومخاطر الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي، للمساءلة القانونية المترتبة على مستخدميها طبقا للمادة 16 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن مائتي ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حاز أو أحرز أو أعد أو صمم أو أنتج أو استورد أو أتاح أو استخدم أي برنامج معلوماتي أو وسيلة تقنية معلومات أو أكواد مرور أو رموز أو استخدم التشفير بقصد ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون أو إخفاء أدلتها أو آثارها أو الحيلولة دون اكتشافها.

وتطالب الاختصاصية الاجتماعية ماجدة نشأت، أولياء الأمور بممارسة دورهم في التحري والمراقبة والمشاركة والمناقشة لحماية أبنائهم من مخاطر هذه الألعاب، ويجب أن يكون الأبناء في مقدمة الأولويات.

الجانب التربوي

تقول مها حسن الاختصاصية التربوية، إن الإشكالية ليست في الألعاب الإلكترونية نفسها، ولكن في طريقة ووقت استخدامها، وأن إدمانها يسبب القلق والاكتئاب، ومشكلات أخرى، وأن تلك الألعاب المفتوحة التي تتيح عمليات التواصل والمحادثة أثناء اللعب توصف بغرباء في منازلنا وبصحبة أبنائنا، مما يعرضهم للخطر، ويتيح أسرار أسرنا للغير، فهي ليست انفتاحاً على الثقافات، كما يعتبرها البعض، وإنما يمكن استغلالها لتبادل المفاهيم والمعلومات والمعتقدات، وما نخشاه هو أن يعتنق الطفل أو المراهق معتقدات ومفاهيم ضد مبادئ مجتمعاتنا، لذا يجب أن يتم ذلك تحت رقابة الوالدين لتجنب وقوع أبنائنا ضحايا وجود غرباء في حياتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39fn759h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"