«ست ضحايا كل يوم»

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا تزال أزمة الهجرة إلى أوروبا ماثلة؛ بل تتفاقم يوماً بعد آخر؛ إذ باتت قضيتهم «عبئاً» على دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، التي تحاول مجتمعة بكل السبل حصر هذه الظاهرة، ووقف المد البشري الذي يتجه أفواجاً نحو القارة العجوز، التي يرى فيها كثيرون بأنها النعيم المنشود، وجنة الأرض. الأرقام التي توردها منظمات حقوقية ترصد هذه الظاهرة، أثبتت أن طرق الوصول مملوءة بالجحيم، وفخاخ الموت، وفي حال تمكن المهاجرون من تجاوزها، فإنهم يجدون أنفسهم ملقون في المجهول، تتقاذفهم الدول بين بعضها، أو يعادون من حيث أتوا، أو يتم الإلقاء بهم في إحدى دول إفريقيا البعيدة.

تزامناً مع الخلاف الإيطالي الفرنسي حول قضية المهاجرين، أصدرت منظمة «كاميناندو فرونتيراس» تقريراً، أوردت فيه أرقاماً لافتة للانتباه، لا يمكن تجاوزها، بعدما أكدت مصرع أو فقدان أكثر من 11200 مهاجر منذ 2018 أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا، بمعدل ستة أشخاص في اليوم، ولم يتم العثور على أغلب هؤلاء، وفق المنظمة التي حددت هوية 1272 امرأة، و377 طفلاً من بينهم.

تأتي هذه الكارثة الإنسانية، في ظل الحرب الكلامية بين روما وباريس، عقب رفض إيطاليا السماح برسو سفينة إنقاذ، تحمل أكثر من نحو 230 مهاجراً، والتي قبلت فرنسا استقبالها «استثنائياً»، فرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تحمل برنامجاً سياسياً مناهضاً للمهاجرين، دانت رد فعل فرنسا المنتقد لها، وعدّته «عدائياً وغير مفهوم وغير مبرر»، بعد إعلان باريس إجراءات انتقامية ضد روما، بسبب رفضها السماح برسو السفينة، وكادت هذه الأزمة الدبلوماسية أن تعصف إلى مدى بعيد بالعلاقات بين البلدين، لولا التدخلات من بعض الأطراف الأوروبية، كألمانيا، التي حاولت تذليل الخلافات، ثم طرح المفوضية الأوروبية خطة عمل من 20 نقطة، الهدف منها مواجهة الهجرة المتصاعدة في وسط البحر المتوسط.

هذه الأزمة ظهرت فصولها إلى العلن، بعدما ضاقت بعض الدول التي توجهت حكوماتها نحو اليمينية، باللاجئين، إضافة إلى اكتفائها بالوافدين الجدد، بعدما كانت في السابق تسعى إلى إنعاش اقتصادها باليد العاملة التي واجهت نقصاً شديداً فيها، إضافة إلى النمو السكاني الضعيف مع نسب شيخوخة مرتفعة بين سكانها، فوزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، قال: «إن البلاد بحاجة إلى المهاجرين، لملء الوظائف الشاغرة، والمحافظة على معدلات الإنتاج في المستقبل».

وعلى الرغم من استفادة الدول الأوروبية من اللاجئين، على أكثر من صعيد، فإن ذلك لا يمنعها من محاربة من ترى أنه يشكل عبئاً عليها، فأوروبا عموماً تسعى إلى مصلحتها، من خلال تحقيق الاستفادة القصوى منهم، ثم إذا اكتفت تبدأ في نبذهم ومحاربتهم، كما بريطانيا التي بدأت تتوعد المهاجرين عبر المانش، بإرسالهم إلى رواندا، والنظر بطلبات لجوئهم هناك، لتُظهر ردود الفعل الأوروبية أن الإنسانية عندهم مجزأة، وأن التباكي على البشر الذين يموتون هو مجرد ذر للرماد في العيون، وليس له مفعول على الأرض، لتظل قضية اللجوء، ورقة سياسية تستفيد منها الدول على حساب المتعثرين الذين يطمحون فقط بحياة تليق بالبشر.. وللأسف لا يجدونها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pmuts3s

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"